كتاب وحي القلم (اسم الجزء: 1)

ثم تنهدت وقالت: من عسى يعرف خطر الأسرة والنسل والفضيلة كما تعرفها المرأة التي فقدتها؟ إننا نحسها بطبيعة المرأة، ثم بالحنين إليها، ثم بالحسرة على فقدها، ثم برؤيتها في غيرنا؛ نعرفها أربعة أنواع من المعرفة إذا عرفتها الزوجة نوعًا واحدًا, ولكن هل ينصفنا الرجال وهم يتدافعوننا؟ هل يرضون أن يتزوجوا منا؟
قلت: ولكن الأسرة لا تقوم على سواد عيني المرأة وحمرة خديها، بل على أخلاقها وطباعها؛ فهذا هو السبب في بقاء المرأة الساقطة حيث ارتطمت؛ وهي متى سقطت كان أول أعدائها قانون النسل.
ومن ثم كانت الزلة الأولى ممتدة متسحبة إلى الآخر؛ إذ الفتاة ليست شخصًا إلا في اعتبارها هي، أما في اعتبار غيرها فهي تاريخ للنسل، إن وقعت فيه غلطة فسد كله وكذب كله فلا يوثق به.
وهذه الزلة الأولى هي بدء الانهيار في طباع رقيقة متداخلة متساندة، لا يقيمهما إلا تماسكها جملة؛ وما لم يتماسك إلا بجملته فأول السقوط فيه هو استمرار السقوط فيه؛ ولهذا لا يعرف الناس جريمة واحدة تعد سلسلة جرائم لا تنتهي، إلا سقطة المرأة؛ فهي جريمة مجنونة كالإعصار الثائر يلفّها لفًّا؛ إذا تتناول المرأة في ذاتها، وترجع على أهلها وذويها، وترعى إلى مستقبلها ونسلها؛ فيهتكها الناس هي وسائر أهلها من جاءت منهم ومن جاءوا منها.
والمرأة التي لا يحميها الشرف لا يحميها شيء، وكل شريفة تعرف أن لها حياتين إحداهما العفة، وكما تدافع عن حياتها الهلاك, تدافع السقوط عن عفتها؛ إذ هو هلاك حقيقتها الاجتماعية؛ وكل عاقلة تعرف أن لها عقلين تحتمي بأحدهما من نزوات الآخر، وما عقلها الثاني إلا شرف عرضها.
قال الأستاذ "ح": إن هذه هي الحقيقة، فما تسامح الرجال في شرف العرض إلا جعلوا المرأة كأنها بنصف عقل, فاندفعت إلى الطيش والفجور والخلاعة، أرادوا ذلك أم لم يريدوه.
قلت: وهذا هو معنى الحديث: "عفوا تعف نساؤكم" فإن عفاف المرأة لا تحفظه المرأة بنفسها، ما لم تتهيأ لها الوسائل والأحوال التي تعين نفسها على ذلك؛ وأهم وسائلها وأقواها وأعظمها، تشدد الرجال في قانون العِرْض والشرف.
فإذا تراخى الرجال ضعُفت الوسائل، ومن بين هذا التراخي وهذا الضعف تنبثق حرية المرأة متوجهة بالمرأة إلى الخير أو الشر، على ما تكون أحوالها

الصفحة 263