كتاب وحي القلم (اسم الجزء: 1)

قلت: فإذا كان القانون هنا في مسألتنا هذه يعدل بالظلم، ويحمي الفضيلة بإطلاق حرية الرذيلة؛ فهو إنما يُفسد الدين، ويَصرف الناس عن خوف الله إلى خوف ما يخاف من الحكومة وحدها؛ وبهذا لا يكون عمله إلا في تصحيح الظاهر من الرجل والمرأة، ويدع الباطن يُسر ما شاء من خبثه وحيلته وفساده؛ فكأنه ليس قانونًا إلا لتنظيم النفاق وإحكام الخديعة؛ فلا جرم كان قانونًا لحالة الجريمة لا للجريمة نفسها؛ فإذا أُخذت المرأة ملايَنة ورضى فهذا فجور قانوني. وإن كانت الملاينة هي عمل الحيلة والتدبير، وإن كان الرضى هو أثر الخداع والمكر، وإن ضاعت المرأة وسقطت، وذهب شرفها باطلًا، وألحقه الناس بما لا يكون من توبة إبليس فلا يكون أبدًا. أما إذا أخذت المرأة مكارَهة وغَصْبًا، فهذه هي الجريمة في القانون؛ ويسميها القانون جريمة الاعتداء على العرض، وهي بأن تسمى جريمة العجز عن إرضاء المرأة، أحق وأولى.
على أن المسكينة لم تؤخذ في الحالتين إلا غصبًا، ولكن اختلفت طريقة الرجل الغاصب؛ فإن كلتا الحالتين لم تَتَأدَّ بالمرأة إلا إلى نتيجة واحدة، هي إخراجها من شرفها، وحرمانها حقوق إنسانيتها في الأسرة، وطردها وراء حدود الاعتبار الاجتماعي، وتركها ثمة مُخَلَّاة لمجاري أمورها، فلا يتيسر لها العيش إلا من مثل الرجل الفاجر، فلا تكون لها بيئة إلا من أمثاله وأمثالها, كما يجتمع في الموضع الواحد أهل المصير الواحد، على طريقة القطيع في المجزرة.
فقالت هي: الحق أن هذه الجريمة أولها الحب؛ وهي لا تقع إلا من بين نقيضين يجتمعان في المرأة معًا: كبر حبها إلى ما يفوت العقل، وصغر عقلها إلى ما ينزل عن الحب. والمرأة تظل هادئة ساكنة رزينة، حتى تصادفها اللِّحاظ النارية من العين المقدَّرة لها، فلا يكون إلا أن تملأها نارًا ولهبًا؛ ولتكن المرأة من هي كائنة، فإنها حينئذ كمستودع البارود، يَهُول عظمه وكبره، وهو لا شيء إذا اتصلت به تلك الشرارة المهاجمة.
وليست حراسة المرأة شيئًا يؤبه به أو يعتد به أو يسمى حراسة، إلا إذا كانت كالتحفظ على مستودع البارود من النار؛ فيستوي في وسائلها الخوف من الشرارة الصغيرة، والفزع من الحريق الأعظم؛ فيُحتاط لاثنيهما بوسائل واحدة في قدر واحد, واعتبار واحد.

الصفحة 269