كتاب وحي القلم (اسم الجزء: 1)

وطباعه الموروثة؛ ولا يبرح جريمة ممتدة متطاولة، ولا ينفك قصة فيها زانٍ وزانية، وفيها خطيئة ولعنة.
فهؤلاء -كما رأيت- أولاد الجرأة على الله، والتعدي على الناس، والاستخفاف بالشرائع، والاستهزاء بالفضائل؛ وهم البغض الخارج من الحب، والوقاحة الآتية من الخجل، والاستهتار المنبعث من الندامة؛ وكل منهم مسألة شر تطلب حلها أو تعقيدها من الدنيا، وفيهم دماء فوَّارة تجمع سمومها شيئًا فشيئًا كلما كبروا سنة فسنة.
قال أبو هاشم: ألا لعنة الله على ذلك الرجل الفاسق الذي اغتر تلك المرأة فاستزلها وهَوَّرها في هذه المهواة, أكان حق الشهوة عليه أعظم من حق هذا الآدمي. أما كان ينبغي أن يكون هذا الآخر هو الأول في الاعتبار، فيعلم أن هذا اللقيط المسكين هو سبيله إلى صاحبته، وهو البلاغ إلى ما يحاوله منها؛ فيكون كأنما دخل بين الاثنين ثالث يراهما ... فلعلهما يستحيان.
قال الحوذي الفيلسوف: لعنة الله على ذلك الرجل، ولعنات الله كلها، ولعنات الملائكة والناس أجمعين على تلك المرأة التي انقادت له واغترت به. إن الرجل ليس شيئًا في هذه الجريمة، فقد كانت بصقة واحدة تغرقه، وكانت صفعة واحدة تهزمه، وكان مع المرأة الحكومة والشرائع والفضائل، ومعها جهنم أيضًا.
ألم تعلم الحمقاء أن الرجل الذي ليس زوجًا لها ليس رجلًا معها، وأن الشريعة لو أيقنت أنه رجل لما حرمت عليها أن تخالطه؟ إنه ليس الرجل هو الذي ساور هذه المرأة، بل مادة الحياة التي رأت في المرأة مستودعها، فتريد أن تقتحم إلى مقرها عنوة أو خداعًا أو رضى أو كما يتفق؛ إذ كان قانون هذه المادة أن توجد، ولا شيء إلا أن توجد؛ فلا تعرف خيرًا ولا شرًّا، ولا فضيلة ولا رذيلة.
لأيهما يجب التحصين: أللصاعقة المنقضّة, أم للمكان الذي يُخشَى أن تنقض عليه؟ لقد أجابت الشريعة الإسلامية: حصنوا المكان, ولكن المدنية أجابت: حصنوا الصاعقة!
وكانت المرأتان المصاحبتان لجماعة اللقطاء تتناجيان، فقالت الكبرى منهما: يا حسرتا على هؤلاء الصغار المساكين! إن حياة الأطفال فيما فوق مادة الحياة، أي: في سرورهم وأفراحهم؛ وحياه هؤلاء البائسين فيما هو دون مادة الحياة، أي: في وجودهم فقط.

الصفحة 278