كتاب وحي القلم (اسم الجزء: 1)

فالمسجد هو في حقيقته موضع الفكرة الواحدة الطاهرة المصححة لكل ما يزيغ به الاجتماع. هو فكر واحد لكل الرءوس؛ ومن ثم فهو حل واحد لكل المشاكل، وكما يُشق النهر فتقف الأرض عند شاطئيه لا تتقدم، يقام المسجد فتقف الأرض بمعانيها الترابية خلف جدرانه لا تدخله.
وما حركة في الصلاة إلا أولها "الله أكبر" وآخرها "الله أكبر"؛ ففي ركعتين من كل صلاة إحدى عشرة تكبيرة يجهر المصلون بها بلسان واحد؛ وكأني لم أفطن لهذا من قبل، فأي زمام سياسي للجماهير وروحانيتها أشد وأوثق من زمام هذه الكلمة التي هي أكبر ما في الكلام الإنساني؟
ولما قُضيت الصلاة سلمتُ على المَلَك وسلم عليَّ، ورأيته مقبلًا محتفيًا، ورأيتني أثيرًا في نفسه، وجالت في رأسي الخواطر فتذكرت القصة التي أريد أن أكتبها؛ وأن المؤذن يكرر في خاتمة أذانه: "الله أكبر الله أكبر" فإذا ...
وقلت: لأسألَنّه، وما أعظم أن يكون في مقالتي أسطر يُلهمها ملك من الملائكة! ولم أكد أرفع وجهي إليه حتى قال:
" ... فإذا لطمتان على وجه الشيطان، فولى مدبرًا ولم يُعقِّب؛ ووضعت الكلمة الإلهية معناها في موضعه من قلب الفتاة، فَلَأْيًا بلأي ما نجت.
إن الدين في نفس المرأة شعور رقيق، ولكنه هو الفولاذ السميك الصلب الذي تصفح به أخلاقها المدافعة.
الله أكبر! أتدري ماذا تقول الملائكة إذا سمعت التكبير؟ إنها تنشد هذا النشيد:
بين الوقت والوقت من اليوم, تدق ساعة الإسلام بهذا الرنين: الله أكبر الله أكبر، كما تدق في موضع ليتكلم الوقت برنينها.
الله أكبر! بين ساعات وساعات من اليوم ترسل الحياة في هذه الكلمة نداءها, تهتف: أيها المؤمن! إن كنت أصبت في الساعات التي مضت، فاجتهد للساعات التي تتلو؛ وإن كنت أخطأت، فكفر وامح ساعة بساعة؛ الزمن يمحو

الصفحة 286