كتاب وحي القلم (اسم الجزء: 1)

وعرف الرجل من الفلسفة التي درسها أنه يجب أن يكون حرًّا بأكثر مما يستطيع، وبأكثر من هذا الأكثر, فقالها بملء فيه، وقال للحرية: أنا لكِ وأنتِ لي.
قالها للحرية، فما أسرع ما ردّت عليه الحرية بفتاة أخرى.
نقول نحن: وكان قد مضى على "الباب المغلق" تسع سنوات، فصار منهن بين الشاب وبين زوجته العقلية تسعة أبواب مغلقة؛ ولكنها مع ذلك مسماة له، يقول أهله وأهلها: "فلان وفلانة". وليس "الباب المغلق" عندهم إلا الحياء والصيانة، وليست الفتاة من ورائه إلا العفاف المنتظر؛ وليس الفتى إلا ابن الأب الذي سمى الفتاة له وحبسها على اسمه؛ وليست القربى إلا شريعة واجبة الحق, نافذة الحكم.
وعند أهل الشرف، أنه مهما يبلغ من حرية المرء في هذا العصر فالشرف مقيد.
وعند أهل الدين، أن الزواج لا ينبغي أن يكون كزواج هذا العصر قائمًا من أوله على معاني الفاحشة. وعند أهل الفضيلة، أن الزوجة إنما هي لبناء الأسرة, فإن بلغ وجهها الغاية من الحسن أو لم يبلغ، فهو على كل حال وجه ذو سلطة وحقوق "رسمية" في الاحترام؛ لا تقوم الأسرة إلا بذلك، ولا تقوم إلا على ذلك.
وعند أهل الكمال والضمير، أن الزوجة الطاهرة المخلصة الحب لزوجها، إنما هي معامَلة بين زوجها وبين ربه؛ فحيثما وضعها من نفسه في كرامة أو مهانة، وضع نفسه عند الله في مثل هذا الموضع.
وعند أهل العقل والرأي، أن كل زوجة فاضلة، هي جميلة جمال الحق؛ فإن لم توجب الحب، وجبت لها المودة والرحمة.
وعند أهل المروءة والكرم، أن زوجة الرجل إنما هي إنسانيته ومروءته؛ فإن احتملها أعلن أنه رجل كريم، وإن نبذها أعلن أنه رجل ليس فيه كرامة.
أما عند الشيطان "لعنه الله" فشروط الزوجة الكاملة ما تشترطه الغريزة: الحب، الحب، الحب!
قال الشاب: وإذا أنا لم أتزوج امرأة تكون كما أشتهي جمالًا، وكما يشتهي فكري علمًا، كنت أنا المتزوج وحدي وبقي فكري عزبًا. وقد عرفت التي تصلح لي بجمالها وفكرها معًا، وتبوأت في قلبي وأقمت في قلبها؛ ثم داخلت

الصفحة 297