كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

لِمَ لَا وَفِيهِ مَعَ النَّوَوِيِّ الرَّافِعِيُّ ... حَبْرَانِ بَلْ بَحْرَانِ كَالْعَجَاجِ
مَنْ قَاسَهُ بِسِوَاهُ مَاتَ وَذَاكَ مِنْ ... خَسْفٍ وَمِنْ غَبْنٍ وَسُوءِ مِزَاجٍ
وَقَالَ الْآخَرُ:
لَقِيت خَيْرًا يَا نَوِيُّ ... وَوُقِيَتْ مِنْ أَلَمِ النَّوَى
فَلَقَدْ نَشَا بِك عَالِمٌ ... لِلَّهِ أَخْلَصَ مَا نَوَى
وَعَلَا عُلَاهُ وَفَضْلُهُ ... فَضْلَ الْحُبُوبِ عَلَى النَّوَى
جَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ صَنِيعِهِ جَزَاءً مَوْفُورًا، وَجَعَلَ عَمَلَهُ مُتَقَبَّلًا وَسَعْيَهُ مَشْكُورًا، وَلَمْ تَزَلْ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا كُلٌّ مِنْهُمْ مُذْعِنٌ لِفَضْلِهِ وَمُشْتَغِلٌ بِإِقْرَائِهِ وَشَرْحِهِ، وَعَادَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بَرَكَةُ عَلَّامَةٍ نَوَى فَبَلَغَ قَصْدَهُ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَبَعْضُ شُرُوحِهِ عَلَى الْغَايَةِ فِي التَّطْوِيلِ، وَبَعْضُهَا اقْتَصَرَ فِيهِ غَالِبًا عَلَى الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ.
هَذَا وَقَدْ أَرْدَفَهُ مُحَقِّقُ زَمَانِهِ وَعَالِمُ أَوَانِهِ وَحِيدُ دَهْرِهِ وَفَرِيدُ عَصْرِهِ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ، الْمَنْثُورِ مِنْهَا وَالْمَنْظُومِ، شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ عُمْدَةُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ جَلَالُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ، بِشَرْحٍ كَشَفَ بِهِ الْمُعَمَّى وَجَلَا الْمُغْمَى، وَفَتَحَ بِهِ مُقْفَلَ أَبْوَابِهِ وَيَسَّرَ لِطَالِبِيهِ سُلُوكَ شِعَابِهِ، وَضَمَّنَهُ مَا يَمْلَأُ الْأَسْمَاعَ وَالنَّوَاظِرَ وَيُحَقِّقُ مَقَالَ الْقَائِلِ كَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ إلَّا أَنَّ الْقَدَرَ لَمْ يُسَاعِدْهُ عَلَى إيضَاحِهِ وَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ خَشْيَةَ فَجْأَةِ الْمَقْضِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَرِفْعَةً مُخْتَارٌ، فَهُوَ تَمْيِيزٌ أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ (قَوْلُهُ مَاتَ) أَيْ هَلَكَ حَسْرَةً (قَوْلُهُ: مِنْ خَسْفٍ) وَفِي نُسْخَةٍ حَنَقٍ، وَمَعْنَى مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ التَّغَيُّرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الْمُشْبِهُ لِذَهَابِ ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَمَعْنَى الثَّانِي الْغَيْظُ، يُقَالُ حَنِقَ حَنَقًا مِنْ بَابِ تَعِبَ اغْتَاظَ (قَوْلُهُ: وَعَلَا عُلَاهُ) وَفِي نُسْخَةٍ عَدَاهُ فَضْلُهُ: أَيْ عَلَا فَضْلُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ (قَوْلُهُ: بَرَكَةُ عَلَّامَةٍ نَوَى) كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بَرَكَتُهُ، لَكِنَّهُ أَقَامَ الظَّاهِرَ مَقَامَ الضَّمِيرِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ جَلَالُ الدِّينِ) كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَمَاتَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَعُمْرُهُ نَحْوُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَأَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيِّ، وَهُوَ عَنْ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْعَطَّارِ، وَهُوَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ: الْمُعَمَّى) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَهُ: وَزَاحَ بِهِ، بَدَلَ قَوْلِهِ: وَجَلَا بِهِ الْمُغَمَّى (قَوْلُهُ: سُلُوكَ شِعَابِهِ) أَيْ طُرُقَهُ الضَّيِّقَةَ كَذَا قِيلَ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الشِّعْبُ بِالْكَسْرِ الطَّرِيقُ، وَقِيلَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَالْجَمْعُ شِعَابٌ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالضَّيِّقَةِ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الطَّرِيقِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ ذَلِكَ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُتَبَادِرُ التَّفْسِيرُ بِالطُّرُقِ لَا بِقَيْدٍ (قَوْلُهُ: فَجْأَةَ الْمَقْضِيِّ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ فَجِئْت الرَّجُلَ أَفْجَأَهُ مَهْمُوزٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَفِي لُغَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ جِئْته بَغْتَةً، وَالِاسْمُ الْفُجَاءَةُ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، وَفِي لُغَةٍ وِزَانَ تَمْرَةٍ، وَفَجِئَهُ الْأَمْرُ مِنْ بَابَيْ تَعِبَ وَنَفَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ سَحْقٍ) بِسِينٍ ثُمَّ حَاءٍ؛ وَفِي نُسْخَةٍ حَنَقٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَذَاكَ لِلْقِيَاسِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَاسَهُ؛ لِأَنَّ السَّحْقَ لَا يُؤَدِّي إلَى الْمَوْتِ عَادَةً، وَفِي نُسْخَةِ مِنْ خَسْفٍ بِتَقْدِيمِ الْخَاءِ عَلَى السِّينِ، وَفِيهَا رِكَّةٌ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْآخَرُ: لَقِيت خَيْرًا يَا نَوَى إلَخْ) الْأَنْسَبُ سِيَاقُ هَذَا فِيمَا مَرَّ فِي مِدْحَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي مِدْحَةِ الْكِتَابِ.
(قَوْلُهُ: عَلَامَةُ نَوَى) الْمَقَامُ هُنَا لِلْإِظْهَارِ كَمَا صَنَعَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي مِدْحَةِ الْكِتَابِ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَ الْمَقَامَ لِلْإِضْمَارِ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهَا اُقْتُصِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: كَشَفَ مِنْهُ الْمُعْمَى إلَخْ) أَيْ بِأَنْ حَلَّ مِنْهُ الْعِبَارَاتِ وَلَوْ بِالْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ الْآتِي فَتَرَكَهُ عَسِرَ التَّفَهُّمِ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَشَفَ مِنْهُ) فِي نُسْخَةٍ بِهِ بَدَلَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ وَفَتَحَ إلَخْ، إلَّا أَنَّ النُّسْخَةَ الْأُولَى أَبْلَغُ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ الْأَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: مَا يَمْلَأُ الْأَسْمَاعَ وَالنَّوَاظِرَ) لَا يَمْتَلِئَانِ إلَّا مِنْهَا لِإِعْرَاضِهِمَا عَمَّا عَدَاهَا (قَوْلُهُ: عَلَى إيضَاحِهِ) أَيْ الشَّرْحِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ خَشْيَةُ إلَخْ) فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ تَرْكَهُ عَلَى هَذَا النَّمَطِ مَقْصُودٌ لَهُ: أَيْ مَقْصُودٌ

الصفحة 11