كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

مِنْ مَحْتُومِ حَمَامِهِ، فَتَرْكُهُ عُسْرَ الْفَهْمِ كَالْأَلْغَازِ لِمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنْ غَايَةِ الْإِيجَازِ، وَلَقَدْ طَالَمَا سَأَلَنِي السَّادَةُ الْأَفَاضِلُ وَالْوَارِثُونَ عِلْمَ الْأَوَائِلِ فِي وَضْعِ شَرْحٍ عَلَى الْمِنْهَاجِ يُوَضِّحُ مَكْنُونَهُ وَيُبْرِزُ مَصُونَهُ، فَأَجَبْتهمْ إلَى ذَلِكَ فِي شَهْرِ الْقَعْدَةِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بَعْدَ تَكَرُّرِ رُؤْيَا دَلَّتْ عَلَى حُصُولِ الْمَرَامِ، وَأَرْدَفْتهمْ بِشَرْحٍ يُمِيطُ لِثَامَ مُخَدَّرَاتِهِ وَيُزِيحُ خِتَامَ كُنُوزِهِ وَمُسْتَوْدَعَاتِهِ، أُنَقِّحُ فِيهِ الْغَثَّ مِنْ السَّمِينِ، وَأُمَيِّزُ فِيهِ الْمَعْمُولَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِتَوْضِيحٍ مُبِينٍ، أُورِدَ الْأَحْكَامَ فِيهِ تَتَبَخْتَرُ اتِّضَاحًا، وَأَتْرُكُ الشَّبَهَ تَتَضَاءَلُ افْتِضَاحًا، أَطْلُبُ حَيْثُ يَقْتَضِي الْمَقَامُ، وَأُوجِزُ إذَا اتَّضَحَ الْكَلَامُ، خَالٍ عَنْ الْإِسْهَابِ الْمُمِلِّ، وَعَنْ الِاخْتِصَارِ الْمُخِلِّ، وَأَذْكُرُ فِيهِ بَعْضَ الْقَوَاعِدِ وَأَضُمُّ إلَيْهِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَوَائِدِ، فِي ضِمْنِ تَرَاكِيبَ رَائِقَةٍ وَأَسَالِيبَ فَائِقَةٍ، لِيَتِمَّ بِذَلِكَ الْأَرَبُ وَيُقْبِلُ الْمُشْتَغِلُونَ يَنْسَلُّونَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ، مُقْتَصِرًا فِيهِ عَلَى الْمَعْمُولِ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، غَيْرَ مُعْتَنٍ بِتَحْرِيرِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ فِي الْأَغْلَبِ.
فَحَيْثُ أَقُولُ فِيهِ قَالَا أَوْ رَجَّحَا فَمُرَادِي بِهِ إمَامَا الْمَذْهَبِ الرَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ تَغَمَّدَهُمَا اللَّهُ بِعَفْوِهِ وَمِنْهُ، وَأَمْطَرَ عَلَى قَبْرِهِمَا شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَحَيْثُ أَطْلَقْت لَفْظَ الشَّارِحِ فَمُرَادِي بِهِ مُحَقِّقُ الْوُجُودِ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ عَفَا عَنْهُ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، وَرُبَّمَا أَتَعَرَّضُ لِحَلِّ بَعْضِ مَوَاضِعِهِ الْمُشْكِلَةِ تَيْسِيرًا عَلَى الطُّلَّابِ مُسْتَعِينًا فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ، وَحَيْثُ أَطْلَقْت لَفْظَ الشَّيْخِ فَمُرَادِي بِهِ شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ.
وَمَا وَجَدْته أَيُّهَا الْوَاقِفُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ وَالْمُتَمَسِّكِ مِنْهُ بِمَا يُوَافِقُ الصَّوَابَ فِي كَلَامِي مِنْ إطْلَاقٍ أَوْ تَقْيِيدٍ أَوْ تَرْجِيحٍ مَعْزُوًّا لِوَالِدِي وَشَيْخِي شَيْخِ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ عُمْدَةِ الْأَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، شَيْخِ الْفَتْوَى وَالتَّدْرِيسِ وَمَحَلِّ الْفُرُوعِ وَالتَّأْسِيسِ، شَيْخِ زَمَانِهِ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَهْلِ الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ، فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ رَأْيَهُ عَلَيْهِ اسْتَقَرَّ، وَمَا عُزِيَ إلَيْهِ مِمَّا يُخَالِفُهُ فَبِسَبَبِ مَا هُوَ شَأْنُ الْبَشَرِ، وَعُمْدَتِي فِي الْعَزْوِ لِفَتَاوِيهِ مَا قَرَأْته مِنْهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ، وَفِي الْعَزْوِ لَمُعْتَمَدَاتِهِ مَا وَجَدْته عَلَى أَجَلِّ الْمُؤَلَّفَاتِ عِنْدَهُ مُصَحَّحًا بِخَطِّهِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ إلَّا السَّبَبُ النَّاقِلُ لَهُ لِرَمْسِهِ، وَوَاللَّهِ لَمْ أَقْصِدْ بِذَلِكَ نَقْصَ أَحَدٍ عَنْ رُتْبَتِهِ، وَلَا التَّبَحْبُحَ بِنَشْرِ الْعِلْمِ وَفَضِيلَتِهِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ مِنْهُ نُصْحُ الْمُسْلِمِينَ بِإِظْهَارِ الصَّوَابِ خَشْيَةَ مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي مُحْكَمِ الْكِتَابِ.
وَأَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بِإِتْمَامِ هَذَا الشَّرْحِ الْبَدِيعِ الْمِثَالِ الْمَنِيعِ الْمَنَالِ، الْفَائِقِ بِحُسْنِ نِظَامِهِ عَلَى عُقُودِ اللَّآلِئِ، الْجَامِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَيْضًا، وَفَاجَأَهُ مُفَاجَأَةً: أَيْ عَاجَلَهُ اهـ (قَوْلُهُ: مِنْ مَحْتُومِ حَمَامِهِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَالْمَعْنَى: خَشْيَةَ فَجْأَةِ مَوْتِهِ الْمُحَقَّقِ (قَوْلُهُ: سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّ شُرُوعَهُ فِي شَرْحِهِ كَانَ فِي ثَانِي عَشَرَ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَرْدَفْتهمْ بِشَرْحٍ يُمِيطُ) أَيْ يُزِيلُ (قَوْلُهُ: الْغَثُّ مِنْ السَّمِينِ) أَيْ أُبَيِّنُ الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ، وَالْغَثُّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ: الْمَهْزُولُ (قَوْلُهُ تَتَضَاءَلُ) أَيْ تَضْعُفُ (قَوْلُهُ: خَالٍ عَنْ الْإِسْهَابِ) أَيْ التَّطْوِيلِ (قَوْلُهُ: بُحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ) أَيْ وَسَطَهَا (قَوْلُهُ مَا هُوَ شَأْنُ الْبَشَرِ) أَيْ مِنْ السَّهْوِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُصَحَّحِ عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَلَا التَّبَحْبُحَ) أَيْ الْفَرَحَ وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، يُقَالُ بَحْبَحَهُ فَبَحْبَحَ أَفْرَحَهُ فَفَرِحَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: نَزَلَتْ فِي مُحْكَمِ الْكِتَابِ) أَيْ فِي شَأْنِ كَتْمِ الْعِلْمِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 159] الْآيَةَ (قَوْلُهُ: الْمَنِيعِ الْمَنَالِ) أَيْ الْمَنِيعِ الْعَطَاءِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَسَائِلَهُ لِعِزَّتِهَا كَأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْإِيضَاحَ لَصَنَّفَهُ فِي مُدَّةٍ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَعَ لَهُ تَصْنِيفُهُ فِيهَا، فَمِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ صَنَّفَهُ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ عَامًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْمِنْهَاجِ) إنَّمَا أُبْرِزَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى شَرْحِ الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: كُنُوزَهُ وَمُسْتَوْدَعَاتِهِ) أَيْ مَا كُنِزَ وَمَا اُسْتُوْدِعَ، أَوْ مَحَلُّ الْكَنْزِ وَالِاسْتِيدَاعِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِذِكْرِ الْخَتْمِ (قَوْلُهُ: قَالَا أَوْ رَجَّحَا) أَيْ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا فِيهِ ضَمِيرُ تَثْنِيَةٍ (قَوْلُهُ: خَشْيَةً مِنْ آيَةٍ) يَعْنِي {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] الْآيَةَ الَّتِي حَمَلَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى كَثْرَةِ التَّحْدِيثِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَأَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بِإِتْمَامِ إلَخْ) التَّعْبِيرُ

الصفحة 12