كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

الثَّنَاءُ عَلَيْهِ لُزُومَ الْخُطَبِ لِلْمَنَابِرِ وَالْأَقْلَامِ لِلْمَحَابِرِ وَالْأَفْكَارِ لِلْخَوَاطِرِ، وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ عَزِيزَةُ الْوُجُودِ، وَلَئِنْ وُجِدَتْ فَلَعَلَّهَا بَعْدَ سَكَنِ الْمُؤَلِّفِ اللُّحُودَ:
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ ... طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ ... مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ
فَالْحَسَدَةُ قَوْمٌ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْجَهْلُ وَطَمَّهُمْ وَأَعْمَاهُمْ حُبُّ الرِّيَاسَةِ وَأَصَمَّهُمْ، قَدْ نُكِبُوا عَنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَنَسُوهُ، وَأَكَبُّوا عَلَى عِلْمِ الْفَلَاسِفَةِ وَتَدَارَسُوهُ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ مِنْهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَهُ تَأْخِيرًا وَيَبْغِي الْعِزَّةَ وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ، فَلَا يَجِدُ لَهُ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَرَى إلَّا أُنُوفًا مُشَمِّرَةً وَقُلُوبًا عَنْ الْحَقِّ مُسْتَكْبِرَةً، وَأَقْوَالًا تَصْدُرُ عَنْهُمْ مُفْتَرَاةً مُزَوَّرَةً، كُلَّمَا هَدَيْتهمْ إلَى الْحَقِّ كَانَ أَصَمَّ وَأَعْمَى لَهُمْ، كَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوَكِّلْ بِهِمْ حَافِظِينَ يَضْبِطُونَ أَقْوَالَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ، فَالْعَالِمُ بَيْنَهُمْ مَرْجُومٌ تَتَلَاعَبُ بِهِ الْجُهَّالُ وَالصِّبْيَانُ، وَالْكَامِلُ عِنْدَهُمْ مَذْمُومٌ دَاخِلٌ فِي كِفَّةِ النُّقْصَانِ.
وَاَيْمُ اللَّهِ إنَّ هَذَا لَهْوُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ السُّكُوتُ وَالْمَصِيرُ جِلْسًا مِنْ أَجْلَاسِ الْبُيُوتِ وَرَدُّ الْعِلْمَ إلَى الْعَمَلِ، لَوْلَا مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْأَخْبَارِ «مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ حَيْثُ قَالَ:
ادْأَبْ عَلَى جَمْعِ الْفَضَائِلِ جَاهِدًا ... وَأَدِمْ لَهَا تَعَبَ الْقَرِيحَةِ وَالْجَسَدْ
وَاقْصِدْ بِهَا وَجْهَ الْإِلَهِ وَنَفْعَ مَنْ ... بَلَغَتْهُ مِمَّنْ تَرَاهُ قَدْ اجْتَهَدْ
وَاتْرُكْ كَلَامَ الْحَاسِدِينَ وَبَغْيَهُمْ ... هَمَلًا فَبَعْدَ الْمَوْتِ يَنْقَطِعُ الْحَسَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَيْ مَنْ غَوَى (قَوْلُهُ: أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودٍ) أَيْ هَيَّأَ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَاحَ لَهُ الشَّيْءُ يَتُوحُ تَهَيَّأَ كَتَاحَ يَتِيحُ وَأَتَاحَهُ اللَّهُ فَأُتِيحَ اهـ (قَوْلُهُ عَرْفِ الْعُودِ) هُوَ بِالْفَتْحِ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالْعَرْفُ الرِّيحُ طَيِّبَةً أَوْ مُنْتِنَةً اهـ (قَوْلُهُ فَالْحَسَدَةُ قَوْمٌ غَلَبَ عَلَيْهِمْ إلَخْ) مِنْ هُنَا إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ آخِرِ الْإِتْقَانِ لِلسُّيُوطِيِّ بِرُمَّتِهِ وَحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: قَدْ نَكَبُوا عَنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ) أَيْ تَحَوَّلُوا وَبَابُهُ نَصَرَ (قَوْلُهُ: إلَّا أُنُوفًا مُشَمِّرَةً) أَيْ مَرْفُوعَةً. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: شَمَّرَ ثَوْبَهُ رَفَعَهُ: أَيْ فَالْفَاعِلُ رَافِعٌ وَالْمَفْعُولُ مَرْفُوعٌ (قَوْلُهُ: أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ) وَفِي نُسْخَةٍ وَأَعْمَالُهُمْ (قَوْلُهُ: فَالْعَالِمُ بَيْنَهُمْ مَرْجُومٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَاَلَّذِي فِي الْإِتْقَانِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَوْجُومٌ بِالْوَاوِ. قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: وَجَمَ يَجِمُ وُجُومًا وَهُوَ ظُهُورُ الْحُزْنِ وَتَقْطِيبُ الْوَجْهِ مَعَ تَرْكِ الْكَلَامِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: دَاخِلٌ فِي كِفَّةِ النُّقْصَانِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَاَيْمُ اللَّهِ) أَيْ يَمِينُ اللَّهِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: ايْمُنُ اسْمٌ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ وَالْتُزِمَ رَفْعُهُ كَمَا اُلْتُزِمَ رَفْعُ لَعَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُخْتَصَرُ مِنْهُ فَيُقَالُ وَاَيْمُ اللَّهِ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْلَاسِ الْبُيُوتِ) كِنَايَةٌ عَنْ مُلَازَمَةِ الْبُيُوتِ وَهُوَ بِالْجِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمُهْمَلَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ فِي فَصْلِ الْحَاءِ مِنْ بَابِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ حِلْسُ الْبَيْتِ كِسَاءٌ يُبْسَطُ تَحْتَ حُرِّ الثِّيَابِ، وَفِي الْحَدِيثِ «كُنْ حِلْسَ بَيْتِك» أَيْ لَا تَبْرَحْ مِنْهُ انْتَهَى، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ نُسْخَةَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَوْلَى لِمُطَابَقَتِهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ. وَفِي الْمُخْتَارِ أَيْضًا فِي فَصْلِ الْجِيمِ مِنْ بَابِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ: وَرَجُلٌ جُلَسَةٌ بِوَزْنِ هُمَزَةٍ: أَيْ كَثِيرُ الْجُلُوسِ، وَالْجِلْسَةُ بِالْكَسْرِ الْحَالُ الَّتِي يَكُونُ الْجَالِسُ عَلَيْهَا وَجَالَسَهُ فَهُوَ جِلْسُهُ وَجَلِيسُهُ كَمَا تَقُولُ خِدْنُهُ وَخَدِينُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ هُنَا أَيْضًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَرَدَّ الْعِلْمَ إلَى الْعَمَلِ) أَيْ قَصَرَهُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ تَعَبَ الْقَرِيحَةِ) أَيْ الطَّبْعِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَرِيحَةُ أَوَّلُ مَاءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذَا وَفِيمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَجِيءِ مَصْدَرِ زَهَرَهُ عَلَى زَهْرٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ مَصْدَرِ فَعَلَ الْقَاصِرِ إنَّمَا هُوَ الْفُعُولُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْقَبِيلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفِرْقَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَأَفْعَالَهُمْ) فِي نُسْخَةٍ، وَأَعْمَالَهُمْ، وَهِيَ الْأَنْسَبُ (قَوْلُهُ: حُلُسًا) فِي الصِّحَاحِ:، وَأَحْلَاسُ الْبُيُوتِ مَا يُبْسَطُ تَحْتَ حَرِّ

الصفحة 14