كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ التَّصْرِيفِ لِمَا مَرَّ وَأَصْلُهُ وَسَمَ حُذِفَتْ الْوَاوُ وَعُوِّضَ عَنْهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِيَقِلَّ إعْلَالُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَمْزَةَ الْوَصْلِ لَمْ تُعْهَدْ دَاخِلَةً عَلَى مَا حُذِفَ صَدْرُهُ فِي كَلَامِهِمْ وَالِاسْمُ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ فَغَيْرُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُ مِنْ أَصْوَاتٍ مُقَطَّعَةٍ غَيْرِ قَارَّةٍ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَالْأَعْصَارِ وَيَتَعَدَّدُ تَارَةً وَيَتَّحِدُ أُخْرَى وَالْمُسَمَّى لَا يَكُونُ، كَذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتُ الشَّيْءِ فَهُوَ الْمُسَمَّى، لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهَذَا الْمَعْنَى

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: 78] فَالْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ عَنْ النَّقَائِصِ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لَهَا عَنْ الرَّفَثِ وَسُوءِ الْأَدَبِ، أَوْ الِاسْمُ فِيهِ مُقْحَمٌ لِلتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةُ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ انْقَسَمَ انْقِسَامَ الصِّفَةِ عِنْدَهُ: إلَى مَا هُوَ نَفْسُ الْمُسَمَّى كَالْوَاحِدِ وَالْقَدِيمِ، وَإِلَى مَا هُوَ غَيْرُهُ كَالْخَالِقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَنْهَجِ بَدَلُ هَذِهِ: وَقِيلَ مِنْ الْوَسْمِ انْتَهَى، وَهُمَا مَصْدَرَانِ لِوَسَمَ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَسَمَهُ مِنْ بَابِ وَعَدَ وَسَمَهُ أَيْضًا انْتَهَى، يَعْنِي يُقَالُ: وَسَمَ يَسِمُ وَسْمًا وَسِمَةً كَمَا يُقَالُ وَعَدَ يَعِدُ وَعْدًا وَعِدَةً، وَعَلَى هَذَا فَحَقِيقَتُهُ وَضْعُ الْعَلَامَةِ لِأَنْفُسِهَا؛ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْمَصْدَرِ لَا نَفْسُهُ.
وَفِي ابْنِ حَجَرٍ: وَأَصْلُ الِاسْمِ السُّمُوُّ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، حُذِفَ عَجُزُهُ وَعُوِّضَ عَنْهُ هَمْزَةُ الْوَصْلِ فَوَزْنُهُ افْعٌ، وَقِيلَ افْلٌ مِنْ السِّيمَا، وَقِيلَ اعْلٌ مِنْ الْوَسْمِ انْتَهَى.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مِمَّا حُذِفَتْ عَيْنُهُ لَا فَاؤُهُ وَلَا لَامُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: مَحْذُوفُ اللَّامِ، وَقِيلَ الْعَيْنِ، وَقِيلَ الْفَاءِ. هَذَا مُرَادُهُ لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ قَلَاقَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ كَتَبَ سَمِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَقِيلَ افْلٌ قَدْ يَدُلُّ ظَاهِرُ الصَّنِيعِ أَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ حُذِفَ عَجُزُهُ إلَخْ مَعَ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، إذْ حَذْفُ الْعَجُزِ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَزْنَ افْلٌ أَوْ اعْلٌ: أَيْ وَإِنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ افْعٌ فَلْيُجْعَلْ مُسْتَأْنَفًا أَوْ يُعْطَفْ عَلَى قَوْلِهِ وَأَصْلُ اسْمٍ سُمُوٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَمِنْ السِّمَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ تَصْرِيفِهِ عَلَى أَسْمَاءٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالِاسْمُ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ) أَيْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ، وَمِنْهُ لَفْظُ الِاسْمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالْحَيِّ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ) أَيْ لُغَاتِهِمْ، وَالْأُمَّةُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ: أَتْبَاعُ النَّبِيِّ وَالْجَمْعُ أُمَمٌ مِثْلَ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُسَمَّى لَا يَكُونُ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَالْأَعْصَارِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إلَخْ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ أَوْ الذَّاتِ عَيْنِهِ: أَيْ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الذَّاتُ فَهُوَ عَيْنُهُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَرَدَ عَلَى اسْمٍ فَهُوَ عَلَى مَدْلُولِهِ انْتَهَى.
وَهِيَ قَدْ تُنَافِي قَوْلَ الشَّارِحِ إنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ أَنَّهُ بِمَعْنَى الذَّاتِ. وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِمَعْنَى الذَّاتِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الَّذِي لَمْ يَشْتَهِرْ مَجِيئُهُ بِمَعْنَى الذَّاتِ مَجِيءُ الِاسْمِ بِمَعْنَى الذَّاتِ فِي غَيْرِ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ عَامِلٍ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا: لَفْظُ كَذَا هُوَ الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ، وَاَلَّذِي كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَى الذَّاتِ اسْتِعْمَالُهُ مُرَكَّبًا مَعَ الْعَامِلِ كَقَوْلِك: اللَّهُ الْهَادِي وَمُحَمَّدٌ الشَّفِيعُ، وَقَدْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ. هَذَا وَقَدْ كَتَبَ سم عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ إلَخْ، قَدْ يُقَالُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الدَّلِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ لَفْظِ الِاسْمِ الْأَسْمَاءُ كَلَفْظِ اللَّهِ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ لَا نَفْسُ الذَّاتِ فَتَأَمَّلْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ الذَّاتَ مَدْلُولٌ بِالْوَاسِطَةِ فَإِنَّهَا مَدْلُولُ الْمَدْلُولِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ لَفْظُهُ، وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ وَالْمِيمِ، وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا صَدَّقَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ كَمَا لَوْ أُطْلِقَ لَا يُتَوَجَّهُ مَا ذَكَرَهُ سم (قَوْلُهُ: بِهَذَا الْمَعْنَى) وَهُوَ كَوْنُ الِاسْمِ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى

(قَوْلُهُ: الرَّفَثِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: رَفَثَ فِي مَنْطِقِهِ رَفَثًا مِنْ بَابِ طَلَبَ، وَيَرْفِثُ بِالْكَسْرِ لُغَةً أَفْحَشَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَسُوءِ الْأَدَبِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ الِاسْمُ فِيهِ) أَيْ فِي تَبَارَكَ إلَخْ (قَوْلُهُ مُقْحَمٌ) أَيْ زَائِدٌ (قَوْلُهُ: انْقِسَامُ الصِّفَةِ عِنْدَهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيِّ (قَوْلُهُ: إلَى مَا هُوَ نَفْسُ الْمُسَمَّى) وَمُرَادُهُمْ بِهِ مَا لَا يَزِيدُ مَفْهُومُهُ عَلَى الذَّاتِ كَالْقَدِيمِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ ذَاتٌ لَا أَوَّلَ لِوُجُودِهَا، فَلَمْ يَدُلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُوفِيِّينَ فِي رَدِّهِمْ عَلَى الْبَصْرِيِّينَ مَا مَرَّ عَنْهُمْ بِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي التَّصَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ قَلْبٌ مَكَانِيٌّ نُقِلَتْ الْوَاوُ مِنْ الصَّدْرِ وَجُعِلَتْ عَجُزًا (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ وَسْمٌ) أَيْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: 78] إلَخْ)

الصفحة 19