كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

عَلَيْهِ صِفَاتُهُ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سِوَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَصْفًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَوْحِيدًا مِثْلَ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الشَّرِكَةَ، فَهُوَ مُرْتَجَلٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَتِلْمِيذِهِ الْغَزَالِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَابْنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ، فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ فَقَالَ خَيْرًا كَثِيرًا لِجَعْلِي اسْمَهُ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ.
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ، وَنُقِلَ عَنْ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَيْضًا وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلَهَ بِمَعْنَى عَبَدَ، وَقِيلَ مِنْ أَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ؛ لِأَنَّ الْعُقُولَ تَتَحَيَّرُ فِي مَعْرِفَتِهِ؛ أَوْ مِنْ أَلَهْت إلَى فُلَانٍ: أَيْ سَكَنْت إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تَطْمَئِنُّ بِذِكْرِهِ وَالْأَرْوَاحُ تَسْكُنُ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ أَوْ مِنْ أَلِهَ إذَا فَزِعَ مِنْ أَمْرٍ نَزَلَ عَلَيْهِ وَأَلَهَهُ غَيْرُهُ أَجَارَهُ، أَوْ أَلَهَ الْفَصِيلُ إذَا أُولِعَ بِأُمِّهِ؛ أَوْ مِنْ وَلَهَ إذَا تَحَيَّرَ وَتَخَبَّطَ عَقْلُهُ، وَكَأَنَّ أَصْلَهُ وَلَاهَ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً لِاسْتِثْقَالِ الْكِسْرَةِ عَلَيْهَا. وَقِيلَ أَصْلُهُ لَاهٍ مَصْدَرُ لَاهَ يَلِيهِ لَيْهًا وَلَاهًا: إذَا احْتَجَبَ وَارْتَفَعَ.
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَصْفٌ فِي أَصْلِهِ، لَكِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَصَارَ كَالْعَلَمِ أُجْرِيَ مَجْرَاهُ فِي إجْرَاءِ الْأَوْصَافِ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِ الْوَصْفِ بِهِ وَعَدَمِ تَطَرُّقِ احْتِمَالِ الشَّرِكَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَاتَه مِنْ حَيْثُ هِيَ بِلَا اعْتِبَارٍ أَمْرٌ آخَرُ حَقِيقِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ عَلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ لَمَا أَفَادَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: 3] مَعْنًى صَحِيحًا، وَلِأَنَّ مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ كَوْنُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ مُشَارِكًا لِلْآخَرِ فِي الْمَعْنَى وَالتَّرْكِيبِ حَاصِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى. وَهُوَ عَرَبِيٌّ خِلَافًا لِلْبَلْخِيِّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ.

وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــSلِذَاتِهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَلَا يَصْلُحُ لَهُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سِوَاهُ) أَيْ سِوَى لَفْظِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ (قَوْلُهُ: وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ) أَيْ كَوْنُهُ عَلَمًا (قَوْلُهُ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ إلَخْ) أَيْ بِكَسْرِ اللَّامِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَلِهَ يَأْلُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ إلَاهَةً بِمَعْنَى عَبَدَ عِبَادَةً انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِنْ أَلِهَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَلِهَ يَأْلُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا تَحَيَّرَ وَأَصْلُهُ وَلِهَ يَوْلَهُ انْتَهَى.
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَوْ مِنْ وَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ الْإِبْدَالُ هُنَا وَعَدَمُهُ ثُمَّ (قَوْلُهُ إذَا أُولِعَ بِأُمِّهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أُولِعَ بِالشَّيْءِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُولَعُ وَلُوعًا بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلِقَ بِهِ، فِي لُغَةٍ وَلِعَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا يَلَعُ بِفَتْحِهَا فِيهِمَا مَعَ سُقُوطِ الْوَاوِ وَلْعًا بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَكَانَ أَصْلُهُ وَلَاهٍ) أَيْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ اللَّهَ (قَوْلُهُ: وَصْفٌ) أَيْ مَعْبُودٌ (قَوْلُهُ: مَعْنًى صَحِيحًا) أَيْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ ذَاتَهُ كَائِنَةٌ فِي السَّمَوَاتِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ وَصْفًا: فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِإِمْكَانِ جَعْلِ الظَّرْفِ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ كَأَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ اللَّهُ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ (قَوْلُهُ الْأُصُولُ الْمَذْكُورَةُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَرَبِيٌّ) أَيْ لَفْظُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

(قَوْلُهُ: مِنْ رَحِمَ بِتَنْزِيلِهِ) أَيْ بِأَنْ يَبْقَى عَلَى صِيغَتِهِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِمَفْعُولٍ كَفُلَانٍ يُعْطِي فَيُقَالُ رَحِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: لَا اشْتِقَاقَ لَهُ) يُلَائِمُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَأَصْلُهُ إلَهٌ إلَخْ الْمُوَافِقُ لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الْآتِي وَفِي قَوْلِهِ مُرْتَجَلٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ قَلَاقَةٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ مُرْتَجَلٌ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ وَغَرَضُهُ أَنَّهُ مُرْتَجَلٌ لَا مَنْقُولٌ جَامِدٌ لَا مُشْتَقٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَاتَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ إذَا وُضِعَ بِإِزَاءِ مُسَمَّى الْإِحَاطَةِ بِكُنْهِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَالْغَرَضُ مِنْ الْوَضْعِ أَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ ذَلِكَ الْعِلْمُ فُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ عِلْمُهُ بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ

(قَوْلُهُ: اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ) يَعْنِي صِفَتَيْنِ مُشَبَّهَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ هِيَ الَّتِي يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لَازِمٍ وَبِهَا عَبَّرَ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا آثَرَ التَّعْبِيرَ بِاسْمَيْنِ لِيَتَنَزَّلَ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ كَوْنِ الرَّحْمَنِ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ لَا صِفَةً، وَمَنْ عَبَّرَ بِصِفَتَيْنِ نَظَرَ إلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: مِنْ رَحِمَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِالْفِعْلِ تَقْرِيبًا وَلِضِيقِ الْعِبَارَةِ، إذْ لَيْسَ

الصفحة 21