كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

وَأَوْدَعَ مَا فِيهَا فِي الْقُرْآنِ، وَأَوْدَعَ مَا فِي الْقُرْآنِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَأَوْدَعَ مَا فِي الْفَاتِحَةِ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بَلْ قِيلَ إنَّهُ أَوْدَعَ مَا فِيهَا فِي الْبَاءِ وَمَا فِي الْبَاءِ فِي النُّقْطَةِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) افْتَتَحَ كِتَابَهُ بَعْدَ التَّيَمُّنِ بِالْبَسْمَلَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى أَدَاءً لِحَقِّ شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ شُكْرِ نَعْمَائِهِ الَّتِي تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا، وَاقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِالْحَمْدُ لِلَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِحَمْدِ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ " بِالْحَمْدُ " وَفِي رِوَايَةٍ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ. وَمَعْنَى ذِي بَالٍ: أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: «لَا يُفْتَتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ وَأَقْطَعُ.» فَإِنْ قِيلَ نَرَى كَثِيرًا مِنْ الْأُمُورِ يُبْتَدَأُ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ وَلَا تَتِمُّ وَكَثِيرًا بِعَكْسِ ذَلِكَ. قُلْنَا: لَيْسَ الْمُرَادُ التَّمَامَ الْحِسِّيَّ، وَلِهَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: بَلْ قِيلَ إنَّهُ إلَخْ) أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّضْعِيفَ (قَوْلُهُ: أَوْدَعَ مَا فِيهَا فِي الْبَاءِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا إشَارَةٌ إلَى: بِي كَانَ وَبِي مَا يَكُونُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ إلَيْهِ جَمِيعُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ وَمَا فِي الْبَاءِ فِي نُقْطَتِهَا: أَيْ؛ لِأَنَّهَا إشَارَةٌ إلَى الْمَرْكَزِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ وَحْدَتُهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ: مِنْ شُكْرِ نَعْمَائِهِ) بَيَانٌ لِمَا يَجِبُ، وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَا حَاصِلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الشُّكْرِ أَنَّهُ إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ بِنِعْمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الشُّكْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِهِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا شَكَرَ عَلَيْهَا أُثِيبَ ثَوَابَ الْوَاجِبِ، وَفِيهِ كَلَامٌ حَسَنٌ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِابْنِ حَجَرٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) هُوَ بِالرَّفْعِ: أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَيْهِ التَّعَارُضُ، أَمَّا لَوْ قُرِئَ بِالْجَرِّ كَانَ بِمَعْنَى رِوَايَةٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَلَا تَعَارُضَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَ أَقْطَعَ مَعَ كُلٍّ مِنْهَا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَمَا وَرَدَ بِهَا وَرَدَ بِأَجْذَمَ أَوْ أَبْتَرَ، وَعِبَارَتُهُ: كُلُّ أَمْرٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ، بِجِيمٍ فَمُعْجَمَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أَقْطَعُ، وَفِي أُخْرَى أَبْتَرُ: أَيْ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ، وَقِيلَ مَقْطُوعُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفِي أُخْرَى بِذِكْرِ اللَّهِ، وَهِيَ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ وَعَدَمِ التَّعَارُضِ بِفَرْضِ إرَادَةِ الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ فِيهِمَا، وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا ضَعِيفٌ: لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَبْتَرُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ أَجْذَمُ) عِبَارَةُ الْقَامُوسِ: الْأَجْذَمُ الْمَقْطُوعُ الْيَدِ أَوْ الذَّاهِبُ الْأَنَامِلِ، وَالْجُذَامُ كَغُرَابٍ عِلَّةٌ تَحْدُثُ مِنْ انْتِشَارِ السَّوْدَاءِ فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ، جَذِمَ كَعَنِيَ فَهُوَ مَجْذُومٌ وَأَجْذَمُ، وَوَهَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي مَنْعِهِ أَيْ مَنْعِ إطْلَاقِ أَجْذَمَ عَلَى ذِي الدَّاءِ الْمَخْصُوصِ، ثُمَّ هَذَا التَّرْكِيبُ وَنَحْوُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ، وَالْأَصْلُ هُوَ كَالْأَجْذَمِ فِي عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ، وَلَا يَضُرُّ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّشْبِيهِ لَا مُطْلِقًا لِلتَّصْرِيحِ بِكَوْنِهِ اسْتِعَارَةً فِي نَحْوِ قَدْ زَرَّأَ زُرَارَهُ عَلَى الْقَمَرِ عَلَى أَنَّ الْمُشَبَّهَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مَحْذُوفٌ. وَالْأَصْلُ هُوَ نَاقِصٌ كَالْأَجْذَمِ، فَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ وَهُوَ النَّاقِصُ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَجْذَمِ النَّاقِصَ، وَعَلَيْهِ فَلَا جَمْعَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ الْمَذْكُورُ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ) أَيْ ذَكَرَ أَنَّهُ حَسَنٌ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُنَافٍ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ جَيْعَانَ وَهُمَا صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ كَصَدٍ وَصَدْيَانَ: أَيْ عَطْشَانَ

(قَوْلُهُ: وَاقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا إلَخْ) عِلَّتَانِ لِلْبُدَاءَةِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَالْحَمْدَلَةِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ السَّابِقِ: أَدَاءٌ لِحَقِّ شَيْءٍ مِمَّا وَجَبَ إلَخْ، وَيَصِحُّ كَوْنُهُ عِلَّةً لَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ أَيْضًا مُتَضَمِّنَةٌ لِلشُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ، وَفِيهَا ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ بِحَمْدِ اللَّهِ) النُّكْتَةُ فِي ذِكْرِهَا إفَادَةُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الْحَمْدِ الَّذِي أَفَادَتْ اشْتِرَاطَهُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى، وَنُكْتَةُ رِوَايَةِ بِالْحَمْدُ بَعْدَ هَذِهِ إفَادَةُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ فِي أَدَاءِ الْحَمْدِ، وَنُكْتَةُ الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهَا

الصفحة 24