كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ نَاقِصًا أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي اُبْتُدِئَ فِيهِ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ تَامًّا حِسًّا. وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ، فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْإِضَافِيُّ بِالْحَمْدَلَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مُمْتَدًّا فَيَسَعُ أَمْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ اللَّهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَحْمَدَ السَّابِقَةِ.
وَالْحَمْدُ اللَّفْظِيُّ لُغَةً: هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ سَوَاءً أَتَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ، وَعُرْفًا: فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذِكْرًا بِاللِّسَانِ أَمْ اعْتِقَادًا وَمَحَبَّةً بِالْجِنَانِ أَمْ عَمَلًا وَخِدْمَةً بِالْأَرْكَانِ " فَمَوْرِدُ اللُّغَوِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالتَّحْسِينَ فِي عَصْرِهِ غَيْرُهُ مُمْكِنٌ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ) كَمَا لَوْ اُبْتُدِئَ فِي الذَّبْحِ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ مِمَّا يُصَيِّرُهَا مَيْتَةً (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ حَقِيقِيٌّ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ دَفْعُ التَّعَارُضِ بِحَمْلِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَفِي خَبَرِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعَارُضَ كَمَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا يَنْدَفِعُ بِعَكْسِهِ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إيثَارِ هَذَا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ إلَخْ اهـ سم عَلَى الْبَهْجَةِ (قَوْلُهُ: وَالْإِضَافِيُّ بِالْحَمْدَلَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْهُ شَيْءٌ، وَتَعْرِيفُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَى شَيْءٍ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لَا، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَيَتَقَدَّمُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَنْفَرِدُ الْإِضَافِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَالِابْتِدَاءُ بِالْبَسْمَلَةِ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ، وَبِالْحَمْدَلَةِ إضَافِيٌّ لَا غَيْرُ، وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الشَّنَوَانِيِّ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ) ذِكْرُ اللِّسَانِ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ أَوْ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ أَنَّهُ يَكُونُ الثَّنَاءُ مَا دَلَّ عَلَى التَّعْظِيمِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ) سَوَاءٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَأَتَعَلَّقَ وَمَا بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ. وَالْمَعْنَى تَعَلُّقُهُ بِالْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ مُسْتَوٍ فِي أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَمْدٌ، وَيَجُوزُ أَنَّ سَوَاءٌ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ مَرْفُوعٌ بِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاعْتِمَادِ فِي إعْمَالِ الْوَصْفِ، وَيَجُوزُ أَنَّ سَوَاءٌ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَأَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ مُقَدَّرَةٌ وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ دَلِيلُ الْجَوَابِ، أَوْ هِيَ نَفْسُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِهِ. وَالْمَعْنَى: إنْ تَعَلَّقَ الثَّنَاءُ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ فَالْأَمْرَانِ سَوَاءٌ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: الْفَضَائِلُ جَمْعُ فَضِيلَةٍ وَهِيَ النِّعَمُ اللَّازِمَةُ كَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالْفَوَاضِلُ جَمْعُ فَاضِلَةٍ وَهِيَ النِّعَمُ الْمُتَعَدِّيَةُ كَالْإِحْسَانِ اهـ. أَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ كَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ أَرَادَ بِهِ الْمَلَكَةَ الْحَاصِلَةَ عِنْدَهُ، أَمَّا التَّعْلِيمُ فَنِعْمَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ، وَكَذَا دَفْعُ الْعَدُوِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الشَّجَاعَةِ (قَوْلُهُ: فَمَوْرِدُ اللُّغَوِيِّ) أَيْ الْمَحَلُّ الَّذِي يَرِدُ مِنْهُ الْحَمْدُ وَيَصْدُرُ، وَلَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصٌّ فِي الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا كَلَامٌ بَنَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ مُسَمَّى الْكُتُبِ الْأَلْفَاظُ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي (قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَانْظُرْ مَا مَعْنَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ) الْمُرَادُ بِهِ أَمْرٌ خَاصٌّ هُوَ الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللَّهِ كَالذَّبْحِ لِلْأَصْنَامِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتِمُّ بِهِ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّ مَا لَا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَا يُذْكَرُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: فِي تَعْرِيفِ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ كَغَيْرِهِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَفِي تَعْرِيفِ الْعُرْفِيِّ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّنَاءَ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ حَمْدًا لُغَوِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا، وَهُوَ يُنَافِي تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّ الْحَمْدَ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ مَنْدُوبٌ وَفِي مُقَابَلَتِهِ وَاجِبٌ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ بِالشَّيْءِ النِّعْمَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ وَهِيَ الْفَاضِلَةُ (قَوْلُهُ: وَعُرْفًا) مَعْطُوفٌ عَلَى لُغَةً وَقَسِيمٌ لَهُ وَهُمَا قِسْمَا اللَّفْظِيِّ، فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَالْحَمْدُ اللَّفْظِيُّ لُغَةً مَا مَرَّ، وَعُرْفًا فِعْلُ إلَخْ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ إذْ الْفِعْلُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظِيًّا وَغَيْرَهُ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلٍ فِي الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِنْبَاءَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ وَالدَّلَالَةُ مَثَلًا، وَانْظُرْ مَا مَعْنَى إخْبَارِ الْجِنَانِ أَوْ دَلَالَتِهِ بِالْمَعْنَى الْمُقَابِلِ لِإِخْبَارِ اللِّسَانِ، وَالْأَرْكَانِ أَوْ

الصفحة 25