كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

صِفَاتِ الْكَمَالِ الْجَلَّالِيَّةِ وَالْجَمَالِيَّةِ، وَقَدْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ " وَثَانِيًا بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، وَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ (وَأَشْهَدُ) أَيْ أَعْلَمُ (أَنْ لَا إلَهَ) أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ (إلَّا اللَّهُ) الْوَاجِبُ الْوُجُودِ (الْوَاحِدُ) أَيْ الَّذِي لَا تَعَدُّدَ لَهُ فَلَا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ وَلَا نَظِيرٍ لَهُ، فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ (الْغَفَّارُ) أَيْ السَّتَّارُ لِذُنُوبِ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُظْهِرُهَا بِالْعِقَابِ عَلَيْهَا.
وَقَدْ صَرَّحَ بِكَلِمَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا، وَلَمْ يَقُلْ الْقَهَّارَ بَدَلَ الْغَفَّارِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ مَأْخُوذٌ مِمَّا قَبْلَهُ، إذْ مِنْ شَأْنِ الْوَاحِدِ فِي مِلْكِهِ الْقَهْرُ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ شُرُوطِ الْإِسْلَامِ تَرْتِيبُ الشَّهَادَتَيْنِ عَطَفَ الْمُصَنِّفُ الشَّهَادَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى فَقَالَ (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ) مِنْ الْخَلْقِ لِدَعْوَةِ مَنْ بُعِثَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ النَّاسِ لِيَدْعُوَهُمْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَيْ بِاعْتِبَارِ مَا يَلِيقُ بِالْمُصَنِّفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ دُونَ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إجْمَالًا (قَوْلُهُ: الْجَلَّالِيَّةِ) كَصِفَاتِ السَّلْبِ مِثْلَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَالْجَمَالِيَّةُ كَوَصْفِهِ بِكَوْنِهِ غَفُورًا رَحِيمًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ) اسْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ: نَحْمَدُهُ) فِعْلِيَّةٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ جُعِلَ قَوْلُهُ نَحْمَدُهُ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً، وَأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، أَمَّا إذَا قُرِئَ أَنَّ الْحَمْدَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ عَلَى مَعْنَى نَحْمَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْحَمْدِ فَهِيَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: أَيْ أَعْلَمُ) هَلْ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَعْنَى الشَّهَادَةِ أَمْ لَا انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
لَكِنْ ضَبَطَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى خُطْبَةِ الْمِنْهَاجِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ كَمَا أَشَارَ إلَى نَقْلِهِ عَنْهُ بِالْمَعْنَى ابْنُ قَاسِمٍ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: قَالَ الشِّهَابُ الْإِبْشِيطِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْخُطْبَةِ: مَعْنَاهَا هُنَا أَعْلَمُ ذَلِكَ بِقَلْبِي وَأُبَيِّنُهُ بِلِسَانِي قَاصِدًا بِهِ الْإِنْشَاءَ حَالَ تَلَفُّظِهِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ انْتَهَى، فَقَوْلُهُ وَأُبَيِّنُهُ بِلِسَانِي ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَنُقِلَ عَنْ ضَبْطِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ.
أَقُولُ: وَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ (قَوْلُهُ إلَّا اللَّهُ) وَفِي نُسَخٍ زِيَادَةُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَحِينَئِذٍ فَوَحْدَهُ تَوْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ، وَمَا بَعْدَهُ تَوْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ رَدًّا عَلَى نَحْوِ الْمُعْتَزِلَةِ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُغْفَرُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي الزَّائِدَةِ عَلَى الْكُفْرِ انْتَهَى الشَّيْخُ عَمِيرَةُ. زَادَ فِي الْحَاشِيَةِ الْكُبْرَى وَهُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَى. وَيُوَافِقُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الْجَنَائِزِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ سُبْحَانَهُ مَا عَدَا الشِّرْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ الْوُقُوعُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ: فِي سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا) فِيهِ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَرَّحَ فِيمَا ذَكَرَ بِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى وَإِثْبَاتِهَا لَهُ، تَارَةً بِلَفْظِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَتَارَةً بِلَفْظِ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَوْ إلَّا أَنَا، أَوْ إلَّا الَّذِي (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ) لَا يُقَالُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي التَّنْزِيلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَقَامُ هُنَا مَقَامُ الْوَصْفِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالْإِنْعَامِ، فَكَانَ ذِكْرُ الْغَفَّارِ هُنَا أَنْسَبُ انْتَهَى عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ) أَيْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ) خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ لِلْجَمَادَاتِ بِالْأَوْلَى.
وَقَالَ السُّبْكِيُّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ دُونَ حَمْدِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَوْ إجْمَالِيًّا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشِّهَابُ بْنُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: أَيْ أُعْلِمَ) هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْأَذَانِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَمَا هُنَا بِأَنَّ الْأَذَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ (قَوْلُهُ: فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ) أَيْ فِي ذَاتٍ وَلَا صِفَةٍ وَلَا فِعْلٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِكَلِمَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فِيهِ تَسَامُحٌ وَإِلَّا فَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَوْ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَخْ) مَأْخَذُ الْإِشَارَةِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِيَدْعُوهُمْ الْعَائِدُ إلَى النَّاسِ، وَلِهَذَا لَمَّا عَبَّرَ

الصفحة 33