كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

(أَوْلَى مَا أَنْفَقْت فِيهِ نَفَائِسَ الْأَوْقَاتِ) وَهُوَ الْعِبَادَاتُ شَبَّهَ شَغْلَ الْأَوْقَاتِ بِهَا بِصَرْفِ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ الْمُسَمَّى بِالْإِنْفَاقِ، فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْإِنْفَاقِ مَجَازًا، وَوَصَفَ الْأَوْقَاتِ بِالنَّفَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُ مَا يَفُوتُ مِنْهَا بِلَا عِبَادَةٍ، وَالنَّفِيسُ مَا يُرْغَبُ فِيهِ، وَأَضَافَ إلَيْهَا صِفَتَهَا لِلسَّجْعِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إضَافَتُهُ بَيَانِيَّةً؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ الْبَيَانِيَّةَ عَلَى تَقْدِيرٍ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ أَوْ التَّبْعِيضِيَّةِ أَوْ الِابْتِدَائِيَّةِ وَالْكُلُّ مُمْكِنٌ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً كُلَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ بَعْضَهَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ نَفِيسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهَا.
وَقَوْلُهُ أَوْلَى عَطْفٌ عَلَى أَفْضَلَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا، إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ أَوْلَى مَا أَنْفَقْت فِيهِ نَفَائِسَ الْأَوْقَاتِ، فَيُنَاقِضُ التَّبْعِيضَ السَّابِقَ وَالْمُصَنِّفُ وَصَفَ الْأَوْقَاتِ بِالنَّفِيسَةِ ثُمَّ جَمَعَ النَّفِيسَةَ عَلَى نَفَائِسَ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِنَفِيسٍ وَإِنَّمَا هُوَ جَمْعٌ لِكُلِّ رُبَاعِيٍّ مُؤَنَّثٍ بِمُدَّةٍ قَبْلَ آخِرِهِ مَخْتُومًا بِالتَّاءِ أَوْ مُجَرَّدًا عَنْهَا (وَقَدْ) لِلتَّحْقِيقِ هُنَا (أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ) يُجَوِّزُ كَوْنَهَا زَائِدَةً لِصِحَّةِ الْمَعْنَى بِدُونِهَا، وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي كَإِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ وَالْفَرْقُ لَائِحٌ. وَقِيلَ لِلْمُجَاوَزَةِ كَمَا فِي زَيْدٍ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو: أَيْ جَاوَزَهُ فِي الْفَضْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: لَفْظُ الْإِنْفَاقِ مَجَازًا) أَيْ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابِهَةُ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ (قَوْلُهُ مَا يَفُوتُ مِنْهَا بِلَا عِبَادَةٍ) أَيْ أَمَّا الَّذِي فَاتَ مَشْغُولًا بِالْعِبَادَةِ فَلَا يُطْلَبُ تَعْوِيضُهُ كَذَا قَالَهُ عَمِيرَةُ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلٌ فَلَا إلَخْ فَلَمْ يَفُتْ حَتَّى يَطْلُبَ تَعْوِيضَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَضَافَ إلَيْهَا صِفَتَهَا لِلسَّجْعِ) السَّجْعُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَجِيءُ الْكَلَامِ عَلَى فِقَرٍ مُتَوَازِيَةٍ، فَالطَّاعَاتُ مُوَازِيَةٌ لِلْأَوْقَاتِ، وَهَذَا مِنْهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ النَّفَائِسُ صِفَةٌ لِلْأَوْقَاتِ، وَقَالَ: لَا تُضَافُ الصِّفَةُ إلَى مَوْصُوفِهَا؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْمَوْصُوفِ، فَلَوْ أُضِيفَتْ إلَى الْمَوْصُوفِ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ، وَهَذَا خَلْفٌ، وَتَقْدِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ رِعَايَةُ السَّجْعِ اهـ بَكْرِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: سَجَعَتْ الْحَمَامَةُ سَجْعًا مِنْ بَاب نَفَعَ (قَوْلُهُ: الْكُلُّ مُمْكِنٌ هُنَا) وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ غَيْرَ نَفِيسٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ لِلتَّحْقِيقِ هُنَا) أَيْ لَا لِلتَّكْثِيرِ، وَفِي الشَّيْخِ عَمِيرَةَ أَنَّهَا لَهُ مَعَ التَّحْقِيقِ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَكْثَرُ، وَجَعْلُهَا لِلتَّكْثِيرِ يُصَيِّرُ الْمَعْنَى: وَكَثُرَ إكْثَارُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا) أَيْ مَجْمُوعُهُمْ لَا كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ اهـ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَعَسُّفٌ) هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّرِيقِ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ لَائِحٌ) أَيْ وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي بَعْدَهُ لِمُعَرِّفٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَعْرِيفَ الرَّازِيّ خَاصٌّ بِالْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ، وَتَعْرِيفُ السَّيِّدِ عَامٌّ لَهُ وَلِلتَّصَوُّرِيِّ، ثُمَّ إنَّ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ تَعْرِيفُ الْعِلْمِ بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ مَعَانِيهِ، وَالتَّعْرِيفُ الثَّانِي تَعْرِيفٌ لَهُ بِمَعْنَى مَا بِهِ الْإِدْرَاكُ: أَيْ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِالْإِنْسَانِ يُدْرَكُ بِهِ، وَهُوَ مَعْنًى آخَرُ لِلْعِلْمِ، وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ الْمَسَائِلُ، وَهُوَ مَعْنًى ثَالِثٌ لَهُ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مُؤَاخَذَاتٌ.
(قَوْلُهُ:، وَهُوَ الْعِبَادَاتُ) بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا أَنْفَقْت (قَوْلُهُ: مَجَازًا) أَيْ لُغَوِيًّا، وَالْمُرَادُ اسْتِعَارَةٌ (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ إلَخْ) الرَّاجِحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِضَافَةَ الْبَيَانِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى مَعْنَى مِنْ الْمُبَيِّنَةِ لِلْجِنْسِ لَا مُطْلَقًا فَهِيَ قِسْمٌ بِرَأْسِهَا، فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ طَرِيقَةٌ، أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ يَجُوزُ كَوْنُهَا زَائِدَةً) أَيْ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ الْمُجِيزِ لِزِيَادَتِهَا فِي الْإِثْبَاتِ، لَكِنَّ الْأَخْفَشَ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورُهَا نَكِرَةً وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى بِدُونِهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ الْمَعْنَى بِدُونِهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا، وَيَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] وَقَوْلُهُ {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة: 25] وَقَدْ يُقَالُ: مَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِ مِنْ هُنَا لِلتَّعْدِيَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاحْتِيجَ إلَيْهَا لِضَعْفِ الْعَامِلِ بِفِعْلِهِ بِالْجُمْلَةِ الدُّعَائِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ لَائِحٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ظَرْفٌ لِلنِّدَاءِ وَالتَّصْنِيفُ

الصفحة 40