كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 1)

وَالْأُخْرَيَاتُ رُجُومٌ، وَسَيِّدُ طَائِفَةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْقَرْنِ السَّادِسِ وَإِلَى هَذَا الْحِينِ وَصَاحِبُ الْفَضْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ذُو الْفَضْلِ الْمُبِينِ، الضَّارِبُ مَعَ الْأَقْدَمِينَ بِسَهْمٍ وَالنَّاسُ تَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بَارِدٍ، فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ كُلِّ صَادِرٍ وَوَارِدٍ، تَقَدَّمَ عَلَى أَهْلِ زَمَنِهِ تَقَدُّمَ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَسَبَقَ وَهِيَ تُنَادِيهِ مَا فِي وُقُوفِك سَاعَةٌ مِنْ بَاسِ، وَتَصَدَّرَ وَلَوْ عُورِضَ لَقَالَ لِسَانُ الْحَالِ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» مَنْ أَنْفَقَ مِنْ خَزَائِنِ عِلْمِهِ وَلَمْ يَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إقْلَالًا هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَالَا، قَالَ: فَلَمْ يَتْرُكْ مَقَالًا لِقَائِلٍ، وَتَسَامَى فَلَمْ يَسْمَعْ أَيْنَ الثُّرَيَّا مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِ وَتَعَالَى فَكَأَنَّمَا هُوَ لِلنَّيِّرَيْنِ مُتَطَاوِلٌ، وَتَصَاعَدَ دَرَجَ السِّيَادَةِ حَتَّى فَاقَ الْآفَاقَ وَتَبَاعَدَ عَنْ دَرَجَاتِ مُعَارِضِيهِ فَسَاقَ أَتْبَاعَهُ أُمَمًا وَسَاقَ، وَمَضَى وَخَلَّفَ ذِكْرًا بَاقِيًا
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْوَاضِحِ، وَمِنْهَا مَا قَصَدَ بِهِ إبْطَالَ شُبَهِ الْمُبْطِلِينَ، فَأَشْبَهَتْ الشُّهُبُ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ الْمُسْتَرِقُونَ لِلسَّمْعِ (قَوْلُهُ: وَالْأُخْرَيَاتُ رُجُومٌ) أَيْ كَالْحِجَارَةِ يُرْمَى بِهَا وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا، وَمِنْهَا مَا قَصَدَ بِهِ إبْطَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَسَيِّدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي الْقُطْبُ الرَّبَّانِيُّ إلَخْ
1 -
(قَوْلُهُ: مِنْ الْقَرْنِ السَّادِسِ) الصَّوَابُ الْقَرْنُ السَّابِعُ لَا السَّادِسُ، فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ عَنْ نَحْوِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً اهـ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ آخِرِ الْقَرْنِ السَّادِسِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ وِلَادَتُهُ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ وَكَثِيرًا مَا تَمْتَدُّ حَيَاةُ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ إلَى زَمَنِ وِلَادَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيَسْتَفِيدُ مِمَّا قَالَهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَتَكُونُ لَهُ السِّيَادَةُ عَلَى مَنْ اسْتَفَادَ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ السَّادِسِ، بَلْ وَعَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَتَمَيَّزَ عَلَيْهِمْ الْمُصَنِّفُ بِفَضِيلَتِهِ، كَأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ السِّيَادَةُ عَلَى أَهْلِهِ جَمِيعًا، فَتَكُونُ سِيَادَتُهُ مِنْ أَوَّلِهِ وَهُوَ عَقِبَ الْقَرْنِ السَّادِسِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ كُلِّ صَادِرٍ وَوَارِدٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: صَدَرَ الْقَوْلَ صُدُورًا مِنْ بَابِ قَعَدَ وَأَصْدَرْته بِالْأَلِفِ وَأَصْلُهُ الِانْصِرَافُ، يُقَالُ صَدَرَ الْقَوْمُ وَأَصْدَرْنَاهُمْ: إذَا صَرَفْتهمْ، وَصَدَرْت مِنْ الْمَوْضِعِ صَدْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ: رَجَعْت اهـ.
وَفِيهِ وَرَدَ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ الْمَاءَ يَرِدُهُ وُرُودًا: بَلَغَهُ وَوَافَاهُ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ، وَقَدْ يَكُونُ دُخُولًا، وَالِاسْمُ الْوَرْدُ بِالْكَسْرِ، وَأَوْرَدْته الْمَاءَ وَالْوِرْدُ خِلَافُ الصَّدْرِ، وَالْإِيرَادُ خِلَافُ الْإِصْدَارِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهِيَ تُنَادِيهِ) أَيْ أَهْلُ زَمَنِهِ، وَأُنِّثَ لِكَوْنِ الْأَهْلِ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عُورِضَ) أَيْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُعَارِضَهُ (قَوْلُهُ: لَقَالَ لِسَانُ الْحَالِ) أَيْ فِي حَقِّهِ (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ تَكَلَّمَ ذَلِكَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَتْرُكْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَسَامَى) أَيْ ارْتَفَعَ، وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُسْمَعْ: أَيْ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لِشِدَّةِ عُلُوِّهِ صَعِدَ السَّمَاءَ فَلَمْ يُسْمَعْ لِكَمَالِ بُعْدِهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي حَقِّهِ: أَيْنَ الثُّرَيَّا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَعَالَى) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى تَسَامَى (قَوْلُهُ: مُتَطَاوِلٌ) أَيْ مَنَاظِرُ لَهُمَا فِي الْعُلُوِّ وَالنُّورِ (قَوْلُهُ: حَتَّى فَاقَ الْآفَاقَ) أَيْ أَهْلَ جَمِيعِ النَّوَاحِي، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ (قَوْلُهُ: فَسَاقَ أَتْبَاعَهُ أُمَمًا) أَيْ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ، فَهُوَ تَمْيِيزٌ لِأَتْبَاعِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَقَوْلُهُ وَسَاقَ: أَيْ خَلَّفَ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ سَاقَةُ الْجَيْشُ لِمُؤَخَّرِهِمْ كَمَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَسَّمَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ثَابِتَةٍ لَهَا فِي الْقُرْآنِ بِهَا الْعِنْوَانُ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: وَسَيِّدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مُحْيِي الدِّينِ أَوْ قَدْ مَلَأ (قَوْلُهُ: مِنْ الْقَرْنِ السَّادِسِ) صَوَابُهُ السَّابِعُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ كُلِّ صَادِرٍ وَوَارِدٍ) أَيْ كُلُّ مَنْ يَصْدُرُ، وَيَرِدُ مِنْ النَّاسِ، أَوْ كُلُّ مَا يَصْدُرُ، وَيَرِدُ مِنْ الْوَقَائِعِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْمَعَالِي، وَالْمَرَاتِبُ الْمَعْلُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ عَلَى حَدِّ {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] ، وَيَجُوزُ رُجُوعُهُ إلَى أَهْلِ الْمَشَارِقِ، وَالْمَغَارِبِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَتَسَامَى فَلَمْ يُسْمَعْ أَيْنَ الثُّرَيَّا إلَخْ) بِبِنَاءِ يُسْمَعُ لِلْمَفْعُولِ، وَالْمَعْنَى: تَسَامَى فِي نَيْلِ الْفَضَائِلِ فَحَصَلَ أَعْلَاهَا الْمُشَبَّهُ بِالثُّرَيَّا فِي الْبُعْدِ، فَبَطَلَ هَذَا الْمَثَلُ الَّذِي هُوَ أَيْنَ الثُّرَيَّا إلَخْ الَّذِي قُصِدَ مِنْهُ الِاسْتِبْعَادُ فَلَمْ يُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ، إذْ بَعْدَ وُقُوعِ النَّيْلِ بِالْفِعْلِ لَا اسْتِبْعَادَ فَتَأَمَّلْهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مُتَطَاوِلٌ) الْأَوْلَى مُطَاوِلٌ

الصفحة 9