كتاب حجة الله البالغة (اسم الجزء: 1)

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كتب الله مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة وَكَانَ عَرْشه على المَاء " أَقُول: خلق الله تَعَالَى الْعَرْش وَالْمَاء أول مَا خلق، ثمَّ خلق جَمِيع مَا أَرَادَ أَن يُوجد فِي قُوَّة من قوى الْعَرْش يشبه الخيال من قوانا، وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِالذكر على مَا بَينه الإِمَام الْغَزالِيّ - وَلَا تَظنن ذَلِك مُخَالفا للسّنة - فَإِنَّهُ لم يَصح عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ من بَيَان صُورَة الْقَلَم واللوح على مَا يلهج بِهِ الْعَامَّة شَيْء يعْتد بِهِ، وَالَّذِي يَرْوُونَهُ هُوَ من الاسرائيليات وَلَيْسَ من الْأَحَادِيث المحمدية، وَذَهَاب الْمُتَأَخِّرين من أهل الحَدِيث إِلَى مثله نوع من التعمق وَلَيْسَ للْمُتَقَدِّمين فِي ذَلِك كَلَام. وَبِالْجُمْلَةِ فتحققت هُنَالك صُورَة هَذِه السلسلة بِتَمَامِهَا عبر عَنهُ بِالْكِتَابَةِ أخذا من إِطْلَاق الْكِتَابَة فِي السياسة المدنية على التَّعْيِين والإيجاب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الصّيام} .
وَقَوله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر} . الْآيَة
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الله كتب على عَبده حَظه من
من الزِّنَا " الحَدِيث، وَقَول الصَّحَابِيّ: كتبت فِي غَزْوَة كَذَا وَلم يكن هُنَاكَ ديوَان كَمَا ذكره كَعْب بن مَالك، وَنَظِير ذَلِك فِي أشعار الْعَرَب كثير جدا، وَذكر - خمسين ألف سنة - يحْتَمل أَن يكون تعيينا وَيحْتَمل أَن يكون بَيَانا لطول الْمدَّة.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الله خلق آدم، ثمَّ مسح ظَهره بِيَمِينِهِ " الحَدِيث أَقُول لما خلق الله آدم ليَكُون أَبَا للبشر. التف فِي وجوده حقائق بنيه، فَأعْطَاهُ الله تَعَالَى وقتا من أوقاته، علم مَا تضمنه وجوده بِحَسب الْقَصْد الألهي، فَأرَاهُ إيَّاهُم رأى عين بِصُورَة مثالية، وَمثل سعادتهم وشقاوتهم بِالنورِ والظلمة، وَمثل مَا جبلهم عَلَيْهِ من استعداد التَّكْلِيف بالسؤال وَالْجَوَاب والالتزام على أنفسهم، فهم يؤاخذون بِأَصْل استعدادهم، وتنسب الْمُؤَاخَذَة إِلَى شبحه فِي الظَّاهِر.

الصفحة 286