كتاب حجة الله البالغة (اسم الجزء: 1)

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه " الحَدِيث أَقُول: هَذَا الِانْتِقَال تدريجي غير دفعي، وكل حد يباين السَّابِق واللاحق، وَيُسمى مَا لم يتَغَيَّر من صُورَة الدَّم تغيرا فَاحِشا - نُطْفَة - وَمَا فِيهِ انجماد ضَعِيف - علقَة وَمَا فِيهِ انجماد أَشد من ذَلِك - مُضْغَة وَإِن كَانَ فِيهِ عظم رخو، وكما أَن النواة إِذا ألقيت فِي الأَرْض وَذَلِكَ فِي وَقت مَعْلُوم، وأحاط بهَا تَدْبِير مَعْلُوم علم المطلع على خاصية نوع النّخل وخاصية تِلْكَ الأَرْض وَذَلِكَ المَاء وَذَلِكَ الْوَقْت أَنه يحسن نباتها ويتحقق من شَأْنه على بعض الْأَمر، فَكَذَلِك يجلي الله على بعض الْمَلَائِكَة حَال الْمَوْلُود بِحَسب الجبلة الَّتِي جبل عَلَيْهَا.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد كتب لَهُ مَقْعَده من النَّار ومقعده من الْجنَّة " أَقُول: كل صنف من أَصْنَاف النَّفس لَهُ كَمَال ونقصان، عَذَاب وثواب، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى إِمَّا من الْجنَّة وَإِمَّا من النَّار، وَقَوله تَعَالَى: {وَإِذا أَخذ رَبك من بني آدم} . الْآيَة
لَا يُخَالف حَدِيث " ثمَّ مسح ظَهره بِيَمِينِهِ واستخرج مِنْهُ ذُريَّته " لِأَن آدم أخذت عَنهُ ذُريَّته وَمن ذُريَّته ذُرِّيتهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة على التَّرْتِيب الَّذِي يوجدون عَلَيْهِ، فَذكر فِي الْقُرْآن بعض الْقِصَّة وَبَين الحَدِيث تتمتها، قَوْله تَعَالَى: {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى} .
أَي من كَانَ متصفا بِهَذِهِ الصِّفَات فِي علمنَا وقدرنا (فسنسيره) لتِلْك الْأَعْمَال فِي الْخَارِج، وَبِهَذَا التَّوْجِيه ينطبق عَلَيْهِ الحَدِيث.
قَوْله تَعَالَى: {وَنَفس وَمَا سواهَا فألهمها فجورها وتقواها} .
أَقُول المُرَاد بالإلهام هُنَا خلق صُورَة الْفُجُور فِي النَّفس كَمَا سبق فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، فالإلهام فِي الأَصْل خلق الصُّورَة العلمية الَّتِي يصير بهَا عَالما، ثمَّ نقل إِلَى صُورَة إجمالية هِيَ مبدأ آثَار، وَإِن لم يصر بهَا عَالما تجوزا، وَالله أعلم.

الصفحة 287