كتاب حجة الله البالغة (اسم الجزء: 1)
ويتأذى بِهِ كَمَا يتَأَذَّى الْيَقظَان وَهُوَ يُشَاهِدهُ، وَأَنت ترى ظَاهره سَاكِنا وَلَا ترى حواليه حَيَّة وَلَا عقربا، والحية مَوْجُودَة فِي حَقه وَالْعَذَاب حَاصِل وَلكنه فِي حَقك غير مشَاهد، وَإِذا كَانَ الْعَذَاب فِي ألم اللدغ فَلَا فرق بَين حَيَّة تتخلل أَو تشاهد.
الْمقَام الثَّالِث: إِنَّك تعلم أَن الْحَيَّة بِنَفسِهَا لَا تؤلم بل الَّذِي يلقاك مِنْهَا هُوَ ألم السم، ثمَّ السم لَيْسَ هُوَ الْأَلَم، بل عذابك فِي الْأَثر الَّذِي يحصل فِيك من السم، فَلَو حصل مثل ذَلِك الْأَثر من غير سم لَكَانَ الْعَذَاب قد توفر وَكَانَ لَا يُمكن تَعْرِيف ذَلِك النَّوْع من الْعَذَاب إِلَّا بِأَن يُضَاف إِلَى السَّبَب الَّذِي يفضى إِلَيْهِ فِي الْعَادة، فَإِنَّهُ لَو خلق فِي الْإِنْسَان لَذَّة الوقاع مثلا من غير مُبَاشرَة صُورَة الوقاع لم يُمكن تَعْرِيفهَا إِلَّا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ لتَكون الْإِضَافَة للتعريف بِالسَّبَبِ وَتَكون ثَمَرَة السَّبَب حَاصِلَة وَإِن لم تحصل صُورَة السَّبَب، وَالسَّبَب يُرَاد لثمرته لَا لذاته، وَهَذِه الصِّفَات المهلكات تنْقَلب مهلكات مؤذيات ومؤلمات فِي النَّفس عِنْد الْمَوْت فَيكون آلامها كآلام لدغ الْحَيَّات من غير وجودهَا. انْتهى
(بَاب ذكر الْمَلأ الْأَعْلَى)
قَالَ الله تَعَالَى:
{الَّذين يحملون الْعَرْش وَمن حوله يسبحون بِحَمْد رَبهم ويؤمنون بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا رَبنَا وسعت كل شَيْء رَحْمَة وعلما فَاغْفِر للَّذين تَابُوا وَاتبعُوا سَبِيلك وقهم عَذَاب الْجَحِيم رَبنَا وأدخلهم جنَّات عدن الَّتِي وعدتهم وَمن صلح من آبَائِهِم وأزواجهم وذرياتهم إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم وقهم السَّيِّئَات وَمن تق السَّيِّئَات يَوْمئِذٍ فقد رَحمته وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} .
وَقَالَ رَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِذا قضى الله تَعَالَى الْأَمر فِي السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها خضعانا لقَوْله، كَأَنَّهُ صلصة على صَفْوَان فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا: الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير " وَفِي رِوَايَة " إِذا قضى أمرا سبح حَملَة الْعَرْش، ثمَّ يسبح أهل السَّمَاء الَّذين يَلُونَهُمْ، حَتَّى يبلغ التَّسْبِيح أهل هَذِه السَّمَاء الدُّنْيَا، ثمَّ قَالَ: الَّذين يلون حَملَة الْعَرْش،
الصفحة 46
359