كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 1)

صفحة رقم 134
فتقدم جالوت ليأخذه بيده مقتدرا عليه في نفسه ، وقد صارت الحجارة الثلاثة حجرا
واحدا ، فلما دنا جالوت من داود ، أخرج الحجر من مخلاته ، وألقت الريح البيضة عن
رأسه ، فرماه فوقع الحجر في دماغه حتى خرج من أسفله ، وانهزم الكفار ، وطالوت
ومن معه وقوف ينظرون ، فذلك قوله سبحانه : ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت ( بحذافة فيها حجر واحد ، وقتل معه ثلاثون ألفا ، وطلب داود نصف مال
طالوت ونصف ملكه ، فحسده طالوت على صنيعه وأخرجه ، فذهب داود حتى نزل
قرية من قرى بني إسرائيل وندم طالوت على صنيعه ، فقال في نفسه : عمدت إلى خير
أهل الأرض بعثه الله عز وجل لقتل جالوت فطردته ، ولم أف له ، وكان داود ، عليه
السلام ، أحب إلى بني إسرائيل من طالوت .
فانطلق في طلب داود ، فطرق امرأة ليلا من قدماء بني إسرائيل تعلم اسم الله
الأعظم ، وهي تبكي على داود ، فضرب بابها ، فقالت : من هذا ؟ قال : أنا طالوت ،
فقالت : أنت أشقى الناس وأشرهم ، هل تعلم ما صنعت ؟ طردت داود النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان
أمره من الله عز وجل ، وكانت لك آية فيه من أمر الدرع وصفة أشماويل وظهوره على
جالوت ، وقتل الله عز وجل به أهل الأوثان فانهزموا ، ثم غذرت بداود وطردته ، هلكت
يا شقي ، فقال لها : إنما أتيتك لأسألك ما توبتي ؟ قالت : توبتك أن تأتي مدينة بلقاء
فتقاتل أهلها وحدك ، فإن افتتحتها ، فهي توبتك ، فانطلق طالوت ، فقاتل أهل بلقاء
وحده ، فقتل وعمدت بنو إسرائيل إلى داود ، عليه السلام ، فردوه وملكوه ، ولم يجتمع
بنو إسرائيل لملك قط غير داود ، عليه السلام ، فكانوا اثنى عشر سبطا ، لكل سبط ملك
بينهم ، فذلك قوله تبارك وتعالى : ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت ( .
) وءاتاه الله الملك ( ، يعني ملكه اثنا عشر سبطا ، ) والحكمة ) ، يعني
الزبور ، ) وعلمه مما يشاء ( ، علمه صنعة الدروع ، وكلام الدواب والطير ،
وتسبيح الجبال ، ) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ( ، يقول الله سبحانه : لولا
دفع الله المشركين بالمسلمين ، لغلب المشركون على الأرض ، فقتلوا المسلمين ، وخرجوا
المساجد والبيع والكنائس والصوامع ، فذلك قوله سبحانه : ( لفسدت الأرض ( ،
يقول : لهلكت الأرض نظيرها : ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ) [ النمل :
34 ] ، يعني أهلكوها ، ) ولكن الله ذو فضل على العالمين ) [ آية : 251 ]

الصفحة 134