كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 1)

صفحة رقم 40
أن الله عز وجل خلق الملائكة والجن قبل خلق الشياطين والإنس ، وهو آدم ، عليه
السلام ، فجعلهم سكان الأرض ، وجعل الملائكة سكان السماوات ، فوقع في الجن الفتن
والحسد ، فاقتتلوا ، فبعث الله جندا من أهل سماء الدنيا ، يقال لهم : الجن ، إبليس عدو الله
منهم ، خلقوا جميعا من نار ، وهم خزان الجنة رأسهم إبليس ، فهبطوا إلى الأرض ، فلم
يكلفوا من العبادة في الأرض ما كلفوا في السماء ، فأحبوا القيام في الأرض ، فأوحى
الله عز وجل إليهم : إني جاعل في الأرض خليفة سواكم ورافعكم إليَّ ، فكرهوا ذلك ؛
لأنهم كانوا أهون الملائكة أعمالا ، ) قالوا أتجعل فيها ( ، يقول ، أتجعل في الأرض
) من يفسد فيها ( ، يعني من يعمل فيها بالمعاصي ) ويسفك الدماء ( بغير حق
كفعل الجن ، ) ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ( ، يقول : نحن نذكرك بأمرك ، كقوله
سبحانه : ( ويسبح الرعد بحمده ) [ الرعد : 13 ] ، يعني يذكره بأمره ، ونقدس لك
ونصلي لك ونعظم أمرك .
) قال ( الله سبحانه : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) [ آية : 30 ] إن في علمي أنكم
سكان السماء ، ويكون آدم وذريته سكان الأرض ، ويكون منهم من يسبح بحمدي
ويعبدني ، فخلق آدم ، عليه السلام ، من طين أحمر وأبيض من السبخة والعذبة ، فمن ثم
نسله أبيض وأحمر وأسود مؤمن وكافر ، فحسد إبليس تلك الصورة ، فقال للملائكة
الذين هم معه : أرأيتم هذا الذي لم تروا شيئا من الخلق على خلقته ، إن فضل عليَّ ماذا
تصنعون ؟ قالوا : نسمع ونطيع لأمر الله ، وأسر عدو الله إبليس في نفسه ، لئن فضل آدم
عليه لا يطيعه وليستزنه ، فترك آدم طينا أربعين سنة مصورا ، فجعل إبليس يدخل من دبره
ويخرج من فيه ، ويقول : أنا نار وهذا طين أجوف ، والنار تغلب الطين ولأغلبنه ، فذلك
قوله عزوجل : ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ) [ سبأ : 20 ] ،
يعني قوله يومئذ : لأغلبنه ، وقوله : لأحتنكن ، يعني لأحتوين على ذريته إلا
قليلاً ، فقال للروح : ادخلي هذا الجسد ، فقالت : أي رب ، أين تدخلني هذا الجسد
المظلم ؟ فقال الله تبارك وتعالى : ادخليه كرها ، فدخلته كرها ، وهي لا تخرج منه إلا
كرها ، ثم نفخ فيه الروح من قبل رأسه ، فترددت الروح فيه حتى بلغت نصف جسده
موضع السرة ، فجعل للقعود ، فذلك قوله تعالى : ( وكان الإنسان عجولا ) [ الإسراء : 11 ] ،
فجعلت الروح تتردد فيه حتى بلغت أصابع الرجلين ، فأرادت أن تخرج
منها ، فلم تجد منفذا ، فرجعت إلى الرأس ، فخرجت من المنخرين ، فعطس عند ذلك

الصفحة 40