كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 1)

صفحة رقم 48
فقال السبعون لموسى : نحن أصحابك جئنا معك ولم نخالفك في أمر ، ولنا عليك حق ،
فأرنا الله جهرة ، يعني معاينة ، كما رأيته ، فقال موسى : والله ما رأيته ، ولقد أردته على
ذلك فأبى ، وتجلى للجبل فجعله دكا ، يعني فصار دكا ، وكان أشد منى وأقوى ، فقالوا :
إنا لا نؤمن بك ولا نقبل ما جئت به حتى تريناه معاينة ، فلما قالوا ذلك أخذتهم
الصاعقة ، يعني الموت عقوبة ، فذلك قوله سبحانه : ( فأخذتكم الصاعقة ) [ البقرة :
55 ] ، يعني الموت ، نظيرها : ( وخر موسى صعقا ) [ الأعراف : 143 ] ، يعني ميتا ،
وكقوله عز وجل : ( فصعق من في السماوات ) [ الزمر : 68 ] ، يعني فمات ) وأنتم تنظرون ( ، يعني السبعين .
ثم أنعم الله عليهم فبعثهم ، وذلك أنهم لما صعقوا قام موسى يبكي ، وظن أنهم إنما
صعقوا بخطيئة العجل ، فقال عز وجل في سورة الأعراف : ( رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) [ الأعراف : 155 ] ، وقال : يا رب ، ما
أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت أخبارهم ، فبعثهم الله عز وجل لما وجد
موسى من أمرهم ، فذلك قوله سبحانه : ( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون (
[ آية : 52 ] ، يقول : لكي تشكروا ربكم في هذه النعمة ، فبعثوا يوم ماتوا ، ثم انصرفوا مع
موسى راجعين ، فلما دنوا من العسكر على ساحل البحر ، سمعوا اللغط حول العجل ،
فقالوا : هذا قتال في المحلة ، فقال موسى ، عليه السلام : ليس بقتال ، ولكنه صوت الفتنة ،
فلما دخلوا المعسكر رأى موسى ماذا يصنعون حول العجل ، فغضب وألقى الألواح ،
فانكسر منها لوحان ، فارتفع من اللوح بعض كلام الله عز وجل ، فأمر بالسامري
فأخرج من محلة بني إسرائيل ، ثم عمد إلى العجل فبرده بالمبرد وأحرقه بالنار ، ثم ذراه في
البحر ، فذلك قوله : ( لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ) [ طه : 97 ] .
فقال موسى : إنكم ظلمتم ، أي ضررتم ، أنفسكم باتخاذكم العجل إلها من دون الله
سبحانه وتعالى ، فتوبوا إلى بارئكم ، يعني خالقكم ، وندم القوم على صنيعهم ، فذلك قوله
سبحانه : ( ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ( ، يعني أشركوا بالله عز
وجل ، ) قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف :
149 ] ، فقالوا : كيف لنا بالتوبة يا موسى ، قال : اقتلوا أنفسكم ، يعني يقتل بعضكم
بعضا ، كقوله سبحانه في النساء : ( ولا تقتلوا أنفسكم ( ، يقول : لا يقتل بعضكم
بعضا ، ) إن الله كان بكم رحيما ) [ النساء : 29 ] ، يعني ذلك القتل والتوبة خير لكم
عند بارئكم ، يعني عند خالقكم .

الصفحة 48