كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 1)

صفحة رقم 49
قالوا : قد فعلنا ، فلما أصبحوا أمر موسى ، عليه السلام ، البقية الأثنى عشر ألفا الذين
لم يعبدوا العجل أن يقتلوهم بالسيف والخناجر ، فخرج من كل بني أب على حدة من
منازلهم ، فقعدوا بأفنية بيوتهم ، فقال بعضهم لبعض : هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين
السيوف ، فاتقوا الله واصبروا ، فلعنة الله على رجل حل جيوبه ، أو قام من مجلسه ، أو
اتقى بيد أو رجل ، أو حار إليهم طرفة عين ، قالوا : آمين ، فقتلوهم من لدن طلوع
الشمس إلى انتصاف النهار يوم الجمعة ، وأرسل الله عز وجل عليهم الظلمة حتى لا
يعرف بعضهم بعضا ، فبلغت القتلى سبعين ألفا ، ثم أنزل الله عز وجل الرحمة ، فلم يحد
فيهم السلاح ، فأخبر الله عز وجل موسى ، عليه السلام ، أنه قد نزلت الرحمة ، فقال لهم :
قد نزلت الرحمة ، ثم أمر موسى المنادي فنادى : أن ارفعوا سيوفكم عن إخوانكم ، فجعل
الله عز وجل القتلى شهداء ، وتاب الله على الأحياء ، وعفى عن الذين صبروا للقتل ، فلم
يقتلوا ، فمن مات قبل أن يأتيهم موسى ، عليه السلام ، على عبادة العجل دخل النار ،
ومن هرب من القتل لعنهم الله ، فضربت عليهم الذلة والمسكنة ، فذلك قوله : ( سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ) [ الأعراف : 152 ] ، وذلك قوله سبحانه :
( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) [ الأعراف : 167 ] ، ^
فكان الرجل يأتي نادى قومه وهم جلوس ، فيقتل من العشرة ثلاثة ويدع البقية ،
ويقتل الخمسة من العشرين ، ومن كتب عليهم الشهادة ويبقى الذين لم يقض لهم أن
يقتلوا ، فذلك قوله عز وجل : ( ثم عفونا عنكم ( ، فلم نهلككم جميعا ) من بعد ذلك ( ، يعني بعد العجل ) لعلكم ( ، يعني لكي ) تشكرون ) [ البقرة : 52 ] ربكم
في هذه النعم ، يعني العفو ، فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ، وذلك قوله سبحانه في الأعراف : ( والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها ) ، يعني من بعد عبادة العجل
) وآمنوا ( ، يعني وصدقوا بأن الله واحد لا شريك له ، ) إن ربك من بعدها لغفور
رحيم ) [ الأعراف : 153 ] لذو تجاوز عنهم رحيم بهم عند التوبة .
تفسير سورة البقرة آية [ 53 ]
البقرة : ( 53 ) وإذ آتينا موسى . . . . .
) وإذ ءاتينا موسى الكتاب ( ، يعني التوراة ، ) والفرقان ( ، يعني النصر حين فرق
بين الحق والباطل ، ونصر موسى وأهلك فرعون ، نظيرها في الأنفال قوله سبحانه :

الصفحة 49