كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 1)

صفحة رقم 58
الله جهرة ( ، فعاقبهم الله عز وجل وأماتهم عقوبة ، وبقي موسى وحده يبكي ، فلما
أحياهم الله سبحانه ، قالوا : قد علمنا الآن أنك لم تر ربك ، ولكن سمعت صوته ، فأسمعنا
صوته ، قال موسى : أما هذا فعسى ، قال موسى : يا رب ، إن عبادك هؤلاء بني إسرائيل
يحبون أن يسمعوا كلامك ، فقال : من أحب منهم أن يسمع كلامي فليعتزل النساء ثلاثة
أيام ، وليغتسل يوم الثالث ، وليلبس ثيابا جددا ، ثم ليأتي الجبل فأسمعه كلامي .
ففعلوا ذلك ، ثم انطلقوا مع موسى إلى الجبل ، فقال لهم موسى : إذا رأيتم السحابة قد
غشيت ورأيتم فيها نورا ، وسمعتم فيها صوتا ، فاسجدوا لربكم ، وانظروا ما يأمركم به
فافعلوا ، قالوا : نعم ، فصعد موسى ، عليه السلام ، الجبل ، فجاءت الغمامة ، فحالت بينهم
وبين موسى ، ورأوا النور ، وسمعوا صوتا كصوت الصور ، وهو البوق ، فسجدوا ، وسمعوه
وهو يقول : إني أنا ربكم ، لا إله إلا أنا الحي القيوم ، وأنا الذي أخرجتكم من أرض مصر بيد رقيقة وذراع شديد ، فلا تعبدوا إلها غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ، ولا تجعلوا
لي شبها ، فإنكم لن تروني ، ولكن تسمعون كلامي ، فلما أن سمعوا الكلام ، ذهبت
أرواحهم من هول ما سمعوا ، ثم أفاقوا وهم سجود ، فقالوا لموسى ، عليه السلام : إنا لا
نطيق أن نسمع كلام ربنا ، فكن بيننا وبين ربنا ، فليقل لك وقل أنت لنا ، قال موسى : يا
رب ، إن بني إسرائيل لم يطيقوا أن يسمعوا كلامك ، فقل لي وأقل لهم ، قال الله عز
وجل : نعم ما رأوا .
فجعل الله عز وجل يأمر موسى ، ثم يخبرهم موسى ، ويقولون : سمعنا ربنا وأطعنا ،
فلما فرغ من أمره ونهيه ، ارتفعت السحابة ، وذهب الصوت ، فرفع القوم رءوسهم ،
ورجعوا إلى قومهم ، قيل لهم : ماذا أمركم به ربكم ونهاكم عنه ؟ فقال بعضهم : أمرنا
بكذا وكذا ، ونهانا عن كذا وكذا ، وقال آخرون : واتبع في آخر قوله : إن لم تستطيعوا
ترك ما نهاكم عنه ، فافعلوا ما تستطيعون ، فذلك قوله سبحانه : ( أفتطمعون أن يؤمنوا
لكم وقد كان فريق منهم ( ، يعني طائفة من بني إسرائيل ، ) يسمعون كلام الله
) ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ( ، وفهموه ، ) وهم يعلمون ) [ آية : 75 ] أنهم
حرفوا الكلام .
تفسير سورة البقرة آية [ 76 ]

الصفحة 58