كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 1)

إِلَى الشَّامِ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَبْعَثُ رِجَالا مِنْ قَوْمِكَ فِي عِيرَاتِهَا. فَلَوْ جِئْتَهَا فَعَرَضْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهَا لأَسْرَعَتْ إِلَيْكَ. وَبَلَغَ خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ مُحَاوَرَةِ عَمِّهِ لَهُ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَقَالَتْ لَهُ: أَنَا أُعْطِيكَ ضِعْفَ مَا أُعْطِي رَجُلا مِنْ قَوْمِكَ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ. حَدَّثَنِي أَبُو الْمَلِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ خَدِيجَةَ اسْتَأْجَرَتْ فُلانًا بِبَكْرَيْنِ وَلَسْنَا نَرْضَى لَكَ بِمِثْلِ مَا أَعْطَتْهُ. فَهَلْ لَكَ أَنْ تُكَلِّمَهَا؟ قَالَ: مَا أَحْبَبْتَ! فَخَرَجَ إِلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ لَكِ يَا خَدِيجَةُ أَنْ تَسْتَأْجِرِي مُحَمَّدًا؟ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّكِ اسْتَأْجَرْتِ فُلانًا بِبَكْرَيْنِ. وَلَسْنَا نَرْضَى لِمُحَمَّدٍ دُونَ أَرْبَعِ بِكَارٍ. قَالَ: فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: لَوْ سَأَلْتَ ذَاكَ لِبَعِيدٍ بَغِيضٍ فَعَلْنَا. فَكَيْفَ وَقَدْ سَأَلْتَ لِحَبِيبٍ قَرِيبٍ؟
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ عَنْ عَمِيرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُمِّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ نَفِيسَةَ بِنْتِ مُنْيَةَ قَالَتْ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ: هَذَا رِزْقٌ قَدْ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ. فَخَرَجَ مَعَ غُلامِهَا مَيْسَرَةَ وَجَعَلَ عُمُومَتُهُ يُوصُونَ بِهِ أَهْلَ الْعِيرِ حَتَّى قَدِمَا بُصْرَى مِنَ الشَّامِ. فَنَزَلا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ. فَقَالَ نُسْطُورٌ الرَّاهِبُ: مَا نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ: أَفِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ لا تُفَارِقُهُ. قَالَ: هُوَ نَبِيُّ وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ. ثُمَّ بَاعَ سِلْعَتَهُ فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ تَلاحٍ فَقَالَ لَهُ: احْلِفْ بِاللاتِ والعزى.
[فقال رسول الله. ص: مَا حَلَفْتُ بِهِمَا قَطُّ وَإِنِّي لأَمُرُّ فَأُعْرِضُ عَنْهُمَا] . فَقَالَ الرَّجُلُ:
الْقَوْلُ قَوْلُكَ. ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ: هَذَا وَاللَّهِ نَبِيٌّ تَجِدُهُ أَحْبَارُنَا مَنْعُوتًا فِي كُتُبِهِمْ. وَكَانَ مَيْسَرَةُ إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلانِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الشَّمْسِ. فَوَعَى ذَلِكَ كُلَّهُ مَيْسَرَةُ. وَكَانَ اللَّهُ قَدْ أَلْقَى عَلَيْهِ الْمَحَبَّةَ مِنْ مَيْسَرَةَ. فَكَانَ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ. وَبَاعُوا تِجَارَتَهُمْ وَرَبِحُوا ضِعْفَ مَا كَانُوا يَرْبَحُونَ. فَلَمَّا رَجَعُوا فَكَانُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ قَالَ مَيْسَرَةُ: يَا مُحَمَّدُ انْطَلِقْ إِلَى خَدِيجَةَ فَأَخْبِرْهَا بِمَا صَنَعَ اللَّهُ لَهَا عَلَى وَجْهِكَ. فَإِنَّهَا تَعْرِفُ لَكَ ذَلِكَ. فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ فِي سَاعَةِ الظَّهِيرَةِ وَخَدِيجَةُ فِي عُلَيَّةٍ لَهَا فَرَأَتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عَلَى بَعِيرِهِ وَمَلَكَانِ يُظِلانِ عَلَيْهِ. فَأَرَتْهُ نِسَاءَهَا فَعَجَبْنَ لِذَلِكَ. وَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَبَّرَهَا بِمَا رَبِحُوا فِي وَجْهِهِمْ. فَسُرَّتْ بِذَلِكَ. فَلَمَّا دَخَلَ مَيْسَرَةُ عَلَيْهَا أَخْبَرَتْهُ بِمَا رَأَتْ. فَقَالَ مَيْسَرَةُ: قَدْ رَأَيْتُ هَذَا مُنْذُ خَرَجْنَا مِنَ الشَّامِ. وَأَخْبَرَهَا بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ نُسْطُورٌ وَبِمَا قَالَ الآخَرُ

الصفحة 104