كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 1)

أَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ إِذَا قُمْتُ. قَالَ: أَفَرَأَيْتِ إِنْ دَعَوْتُ اللَّهَ فَجَعَلَهُ إِنْسَانًا مِثْلَكَ وَمِثْلَ آدَمَ تُسَمِّيهِ بِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَانْصَرَفَ عَنْهَا. وَقَالَتْ لآدَمَ: لَقَدْ أَتَانِي آتٍ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِي بَهِيمَةً مِنْ هَذِهِ الْبَهَائِمِ. وَإِنِّي لأَجِدُ لَهُ ثُقْلا وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ. فَلَمْ يَكُنْ لآدَمَ وَلا لِحَوَّاءَ هَمٌّ غَيْرَهُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ. تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» الأعراف: 189. فَكَانَ هَذَا دُعَاؤُهُمَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ. فَلَمَّا وَلَدَتْ غُلامًا سَوِيًّا أَتَاهَا فَقَالَ لَهَا: أَلا سَمَّيْتِهِ كَمَا وَعَدْتِنِي؟
قَالَتْ: وَمَا اسْمُكَ؟ وَكَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلُ. وَلَوْ تَسَمَّى بِهِ لَعَرَفَتْهُ. فَقَالَ: اسْمِي الْحَارِثُ. فَسَمَّتْهُ عَبْدُ الْحَارِثِ فَمَاتَ. يَقُولُ اللَّهُ: «فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» الأعراف: 190. وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى آدَمَ: أَنْ لِي حَرَمًا بِحِيَالِ عَرْشِي. فَانْطَلِقْ فَابْنِ لِي بَيْتًا فِيهِ. ثُمَّ حُفَّ بِهِ كَمَا رَأَيْتَ مَلائِكَتِي يَحُفُّونَ بِعَرْشِي. فَهُنَالِكَ أَسْتَجِيبُ لَكَ وَلِوَلَدِكَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي طَاعَتِي. فقال آدم: أي رب وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ لَسْتُ أَقْوَى عَلَيْهِ وَلا أَهْتَدِي لَهُ. فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا فَانْطَلَقَ بِهِ نَحْوَ مَكَّةَ فَكَانَ آدَمُ إِذَا مَرَّ بِرَوْضَةٍ وَمَكَانٍ يُعْجِبُهُ قَالَ لِلْمَلَكِ: انْزِلْ بِنَا هَهُنَا. فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: مَكَانَكَ. حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَكَانَ كُلُّ مَكَانٍ نَزَلَ بِهِ عُمْرَانًا. وَكَانَ كُلُّ مَكَانٍ تَعَدَّاهُ مَفَاوِزَ وَقِفَارًا. فَبَنَى البيت من خمسة أجبل: من طور سيناء. وَطُورِ زَيْتُونٍ. وَلُبْنَانَ.
وَالْجُودِيِّ. وَبَنَى قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءٍ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهِ خَرَجَ بِهِ الْمَلَكُ إِلَى عَرَفَاتٍ فَأَرَاهُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا الَّتِي يَفْعَلُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ ثُمَّ قَدِمَ بِهِ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَرْضِ الْهِنْدِ فَمَاتَ عَلَى نَوْذَ. فَقَالَ شِيثٌ لِجِبْرِيلَ: صَلِّ عَلَى آدَمَ. فَقَالَ: تَقَدَّمْ أَنْتَ فَصَلِّ عَلَى أَبِيكَ وَكَبِّرْ عَلَيْهِ ثَلاثِينَ تَكْبِيرَةً. فَأَمَّا خَمْسٌ وَهِيَ الصَّلاةُ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ تَفْضِيلا لآدَمَ. وَلَمْ يَمُتْ آدَمُ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا بِنَوْذَ وَرَأَى آدَمُ فِيهِمُ الزِّنَا وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَالْفَسَادَ. فَأَوْصَى أَنْ لا يُنَاكِحَ بَنُو شِيثٍ بَنِي قَابِيلَ. وَكَانَ الَّذِينَ يَأْتُونَهُ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ بَنُو شِيثٍ. فَكَانَ عُمُرُ آدَمَ تِسْعُمِائَةِ سَنَةً وَسِتًّا وَثَلاثِينَ سَنَةً. فَقَالَ مِائَةٌ مِنْ بَنِي شِيثٍ صِبَاحٌ: لَوْ نَظَرْنَا مَا فَعَلَ بَنُو عَمِّنَا. يَعْنُونَ بَنِي قَابِيلَ. فَهَبَطَتِ الْمِائَةُ إِلَى نِسَاءٍ قِبَاحٍ مِنْ بَنِي قَابِيلَ. فَأَحْبَسَ النِّسَاءُ الرِّجَالَ ثُمَّ مَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ مِائَةٌ آخَرُونَ: لَوْ نَظَرْنَا مَا فَعَلَ إِخْوَتُنَا. فَهَبَطُوا مِنَ الْجَبَلِ إِلَيْهِمْ فَاحْتَبَسَهُمُ النِّسَاءُ. ثُمَّ هَبَطَ بَنُو شِيثٍ كُلُّهُمْ. فَجَاءَتِ الْمَعْصِيَةُ وَتَنَاكَحُوا وَاخْتَلَطُوا وَكَثُرَ بَنُو قابيل حتى ملأوا الأَرْضَ. وَهُمُ الَّذِينَ غَرِقُوا أَيَّامَ نُوحٍ.

الصفحة 33