كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 1)

دَعَاهُمْ فِي نُبُوَّتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً. ثُمَّ أَمَرَهُ بِصُنْعَةِ السَّفِينَةِ فَصَنَعَهَا وَرَكَبَهَا وَهُوَ ابْنُ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ وَغَرِقَ مَنْ غَرِقَ. ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ السَّفِينَةِ ثَلاثَمِائَةِ وَخَمْسِينَ سَنَةً. فَوَلَدَ نُوحٌ سَامَ. وَفِي وَلَدِهِ بَيَاضٌ وَأَدْمَةٌ. وَحَامَ. وَفِي وَلَدِهِ سَوَّادٌ وَبَيَاضٌ قَلِيلٌ. وَيَافِثَ. وَفِيهِمُ الشُّقْرَةُ وَالْحُمْرَةُ. وَكَنْعَانَ. وَهُوَ الَّذِي غَرِقَ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ يَامَ. وَذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ:
إِنَّمَا هَامَ عَمُّنَا يَامُ. فَأُمُّ هَؤُلاءِ وَاحِدَةٌ.
وَبِجَبَلِ نَوْذَ نَجَّرَ نُوحٌ السَّفِينَةَ. وَمِنْ ثَمَّ تَبَدَّأَ الطُّوفَانُ. فَرَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ وَمَعَهُ بَنُوهُ هَؤُلاءِ. وَكَنَائِنُهُ نِسَاءُ بَنِيهِ هَؤُلاءِ. وَثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ مِنْ بَنِي شِيثٍ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ.
فَكَانُوا ثَمَانِينَ فِي السَّفِينَةِ. وَحَمَلَ مَعَهُ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ. وَكَانَ طُولُ السَّفِينَةِ ثَلاثُمِائَةٍ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ جَدِّ أَبِي نُوحٍ. وَعَرْضُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا. وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثِينَ ذِرَاعًا. وَخَرَجَ مِنْهَا مِنَ الْمَاءِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ. وَكَانَتْ مُطْبَقَةً. وَجَعَلَ لَهَا ثَلاثَةَ أَبْوَابٍ بَعْضَهَا أَسْفَلَ مِنْ بَعْضٍ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَأَقْبَلَتِ الْوَحْشُ حِينَ أَصَابَهَا الْمَطَرُ وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ كُلُّهَا إِلَى نُوحٍ وَسُخِّرَتْ لَهُ. فَحَمَلَ فِيهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ. وَحَمَلَ مَعَهُ جَسَدَ آدَمَ فَجَعَلَهُ حَاجِزًا بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ. فَرَكِبُوا فِيهَا لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ. وَخَرَجُوا مِنْهَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ. فَلِذَلِكَ صَامَ مَنْ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. وَخَرَجَ الْمَاءُ مِثْلَ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ» القمر: 11. يَقُولُ: مُنْصَبٌّ. «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً» القمر: 12. يَقُولُ: شَقَقْنَا الأَرْضَ. «فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» القمر:
12. فَصَارَ الْمَاءُ نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ مِنَ السَّمَاءِ. وَنِصْفٌ مِنَ الأَرْضِ. وَارْتَفَعَ الْمَاءُ عَلَى أَطْوَلِ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. فَسَارَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَطَافَتْ بِهِمُ الأَرْضُ كُلَّهَا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ لا تَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى أَتَتِ الْحَرَمَ فَلَمْ تَدْخُلْهُ. وَدَارَتْ بِالْحَرَمِ أُسْبُوعًا. وَرُفِعَ الْبَيْتُ الَّذِي بَنَاهُ آدَمُ. رُفِعَ مِنَ الْغَرَقِ. وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ. وَالْحَجَرُ الأَسْوَدُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ. فَلَمَّا دَارَتْ بِالْحَرَمِ ذَهَبَتْ فِي الأَرْضِ تَسِيرُ بِهِمْ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى الْجُودِيِّ. وَهُوَ جَبَلٌ بِالْحِصْنَيْنِ مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ. فَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْجُودِيِّ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَمَامِ السَّنَةِ. فَقِيلَ بَعْدَ الستة الأشهر: «بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» هود:
44. فَلَمَّا اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ قِيلَ: «يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي» هود: 44. يقول: احبسي ماءك. «وَغِيضَ الْماءُ» هود: 44. نَشَّفَتْهُ الأَرْضُ.
فَصَارَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ هَذِهِ الْبُحُورَ الَّتِي تَرَوْنَ فِي الأَرْضِ. قَالَ: فَآخِرُ مَا بَقِيَ فِي

الصفحة 35