كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 1)

بِنَفْسِي. فَكَانَ يُقَالُ لِعَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ عَبْدُ قُصَيٍّ. وَاللَّذَيْنِ سَمَّاهُمَا بَإِلَهِهِ عَبْدُ مَنَافٍ وَعَبْدُ الْعُزَّى. وَبِدَارِهِ عَبْدُ الدَّارِ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالا: كَانَ قُصَيُّ بْنُ كِلابٍ أَوَّلَ وَلَدِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ. فَكَانَ شَرِيفَ أَهْلِ مَكَّةَ لا يُنَازَعُ فِيهَا. فَابْتَنَى دَارَ النَّدْوَةِ وَجَعَلَ بَابَهَا إِلَى الْبَيْتِ. فَفِيهَا كَانَ يَكُونُ أَمْرُ قُرَيْشٍ كُلُّهُ وَمَا أَرَادُوا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ حَرْبٍ أَوْ مَشُورَةٍ فِيمَا يَنُوبُهُمْ. حَتَّى إِنْ كَانَتِ الْجَارِيَةُ تَبْلُغُ أَنْ تُدَرَّعَ فَمَا يُشَقُّ دِرْعُهَا إِلا فِيهَا. ثُمَّ يُنْطَلَقُ بِهَا إِلَى أَهْلِهَا. وَلا يَعْقِدُونَ لِوَاءَ حَرْبٍ لَهُمْ وَلا مِنْ قَوْمٍ غَيْرِهِمْ إِلا فِي دَارِ النَّدْوَةِ.
يَعْقِدُهُ لَهُمْ قُصَيٌّ. وَلا يُعْذَرُ لَهُمْ غُلامٌ إِلا فِي دَارِ النَّدْوَةِ. وَلا تَخْرُجُ عِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَيَرْحَلُونَ إِلا مِنْهَا. وَلا يَقْدَمُونَ إِلا نَزَلُوا فِيهَا تَشْرِيفًا لَهُ وَتَيَمُّنًا بِرَأْيِهِ وَمَعْرِفَةً بِفَضْلِهِ. وَيَتَّبِعُونَ أَمْرَهُ كَالدِّينِ الْمُتَّبَعِ لا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدِ مَوْتِهِ. وَكَانَتْ إِلَيْهِ الْحِجَابَةُ وَالسِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَاللِّوَاءُ وَالنَّدْوَةُ وَحُكْمُ مَكَّةَ كُلُّهُ. وَكَانَ يَعْشِرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ سِوَى أَهْلِهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ دَارَ النَّدْوَةِ لأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَنْتَدُونَ فِيهَا. أَيْ يجتمعون للخير والشر. والندي: مجمع القوم إذ اجْتَمَعُوا. وَقَطَعَ قُصَيٌّ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمُ الَّتِي أَصْبَحُوا فِيهَا الْيَوْمَ. وَضَاقَ الْبَلَدُ وَكَانَ كَثِيرُ الشَّجَرِ الْعِضَاهِ وَالسَّلَمِ. فَهَابَتْ قُرَيْشٌ قَطْعَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ. فَأَمَرَهُمْ قُصَيٌّ بِقَطْعِهِ. وَقَالَ: إِنَّمَا تَقْطَعُونَهُ لِمَنَازِلِكُمْ وَلِخُطَطِكُمْ. بَهْلَةُ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَرَادَ فَسَادًا! وَقَطَعَ هُوَ بِيَدِهِ وَأَعْوَانُهُ فَقَطَعَتْ حِينَئِذٍ قُرَيْشٌ وَسَمَّتْهُ مُجَمِّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا. وَتَيَمَّنَتْ بِهِ وَبِأَمْرِهِ. وَشَرَّفَتْهُ قُرَيْشٌ وَمَلَّكَتْهُ. وَأَدْخَلَ قُصَيٌّ بُطُونَ قُرَيْشٍ كُلَّهَا الأَبْطَحَ. فَسُمُّوا قُرَيْشَ الْبِطَاحِ. وَأَقَامَ بَنُو مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَبَنُو تَيْمٍ الأَدْرَمِ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَبَنُو مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. بِظَهْرِ مَكَّةَ. فَهَؤُلاءِ الظَّوَاهِرُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَهْبِطُوا مَعَ قُصَيٍّ إِلَى الأَبْطَحِ. إِلا أَنَّ رَهْطَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ. وَهُمْ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. نَزَلُوا الأَبْطَحَ فَهُمْ مَعَ الْمُطَيَّبِينَ أَهْلِ الْبِطَاحِ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ذَكْوَانُ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِلضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ حِينَ ضَرَبَهُ:
فَلَوْ شَهِدَتْنِي مِنْ قُرَيْشٍ عِصَابَةٌ ... قُرَيْشُ الْبِطَاحِ لا قُرَيْشُ الظَّوَاهِرِ

الصفحة 58