كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 1)

يَأْتُونَ شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى ضَوَامِرَ كَأَنَّهُنَّ الْقِدَاحُ. قَدْ أَزْحَفُوا وَتَفَلُوا وَقَمَلُوا وَأَرْمَلُوا فَاقْرُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ. فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُرَافِدُ عَلَى ذَلِكَ. حَتَّى أَنْ كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ لَيُرْسِلُونَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ عَلَى قَدْرِهِمْ. وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ يُخْرِجُ فِي كُلِّ عَامٍ مَالا كَثِيرًا. وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَهْلَ يَسَارَةٍ يَتَرَافَدُونَ. وَكَانَ كُلُّ إِنْسَانٍ يُرْسِلُ بِمِائَةِ مِثْقَالٍ هِرْقَلِيَّةٍ. وَكَانَ هَاشِمٌ يَأْمُرُ بِحِيَاضٍ مِنْ أَدَمٍ فَتُجْعَلُ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ. ثُمَّ يَسْتَقِي فِيهَا الْمَاءَ مِنَ الْبِئَارِ الَّتِي بِمَكَّةَ فَيَشْرَبُهُ الْحَاجُّ. وَكَانَ يُطْعِمُهُمْ أَوَّلَ مَا يُطْعِمُ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ بِمَكَّةَ وَبِمِنًى وَجَمْعٍ وَعَرَفَةَ. وَكَانَ يُثْرِدُ لَهُمُ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ. وَالْخُبْزَ وَالسَّمْنَ. وَالسَّوِيقَ وَالتَّمْرَ. وَيَجْعَلُ لَهُمُ الْمَاءَ فَيُسْقَوْنَ بِمِنًى. وَالْمَاءُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ فِي حِيَاضِ الأَدَمِ. إِلَى أَنْ يَصْدُرُوا مِنْ مِنًى فَتَنْقَطِعُ الضِّيَافَةُ وَيَتَفَرَّقُ النَّاسُ لَبِلادِهِمْ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأسلمي قال: حدثني القاسم بن العباس عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَ هَاشِمٌ رَجُلا شَرِيفًا. وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ الْحِلْفَ لِقُرَيْشٍ مِنْ قَيْصَرَ لأَنْ تَخْتَلِفَ آمِنَةً. وَأَمَّا مَنْ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَلَّفَهُمْ عَلَى أَنْ تَحْمِلَ قُرَيْشٌ بَضَائِعَهُمْ وَلا كِرَاءَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقِ. فَكَتَبَ لَهُ قَيْصَرُ كِتَابًا. وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ أَنْ يُدْخِلَ قُرَيْشًا أَرْضَهُ. وَكَانُوا تُجَّارًا. فَخَرَجَ هَاشِمٌ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ فِيهَا تِجَارَاتٌ. وَكَانَ طَرِيقُهُمْ عَلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلُوا بِسُوقِ النَّبَطِ فَصَادَفُوا سُوقًا تَقُومُ بِهَا فِي السَّنَةِ يَحْشُدُونَ لَهَا. فَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا وَنَظَرُوا إِلَى امْرَأَةٍ عَلَى مَوْضِعِ مُشْرِفٍ مِنَ السُّوقِ فَرَأَى امْرَأَةً تَأْمُرُ بِمَا يُشْتَرَى وَيُبَاعُ لَهَا. فَرَأَى امْرَأَةً حَازِمَةً جَلْدَةً مَعَ جَمَالٍ. فَسَأَلَ هَاشِمٌ عَنْهَا: أَأَيِّمٌ هِيَ أَمْ ذَاتُ زَوْجٍ؟ فَقِيلَ لَهُ: أَيِّمٌ كَانَتْ تَحْتَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلاحِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرًا وَمَعْبَدًا ثُمَّ فَارَقَهَا. وَكَانَتْ لا تَنْكِحُ الرِّجَالَ لِشَرَفِهَا فِي قَوْمِهَا حتى يشرطوا لَهَا أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَإِذَا كَرِهَتْ رَجُلا فَارَقَتْهُ. وَهِيَ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. فَخَطَبَهَا هَاشِمٌ فَعَرَفَتْ شَرَفَهُ وَنَسَبَهُ فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا وَدَخَلَ بِهَا. وَصَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا مَنْ هُنَاكَ مِنْ أَصْحَابِ الْعِيرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ. وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَمَخْزُومٍ وَسَهْمٍ.
وَدَعَا مِنَ الْخَزْرَجِ رِجَالًا. وَأَقَامَ بِأَصْحَابِهِ أَيَّامًا. وَعَلِقَتْ سَلْمَى بِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَوَلَدَتْهُ وَفِي رَأْسِهِ شَيْبَةٌ فَسُمِّيَ شَيْبَةَ. وَخَرَجَ هَاشِمٌ فِي أَصْحَابِهِ إِلَى الشَّأمِ حَتَّى بَلَغَ غَزَّةَ فَاشْتَكَى. فَأَقَامُوا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فَدَفَنُوهُ بِغَزَّةَ وَرَجَعُوا بِتَرِكَتِهِ إِلَى وَلَدِهِ. وَيُقَالُ إِنَّ الذي

الصفحة 64