كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 1)

قال: كان عبد المطلب إِذَا وَرَدَ الْيَمَنَ نَزَلَ عَلَى عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ حِمْيَرَ. فَنَزَلَ عَلَيْهِ مَرَّةً مِنَ الْمَرِّ فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ قَدْ أُمْهِلَ لَهُ فِي الْعُمُرِ. وَقَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ! تَأْذَنُ لِي أَنْ أُفَتِّشَ مَكَانًا مِنْكَ؟ قَالَ: لَيْسَ كُلُّ مَكَانٍ مِنِّي آذَنُ لَكَ فِي تَفْتِيشِهِ. قَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَنْخَرَاكَ. قَالَ: فَدُونَكَ. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى يَارٍ. وَهُوَ الشَّعْرُ فِي مَنْخَرَيْهِ. فَقَالَ: أَرَى نُبُوَّةً وَأَرَى مُلْكًا. وَأَرَى أَحَدَهُمَا فِي بَنِي زُهْرَةَ. فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَتَزَوَّجَ هَالَةَ بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة وَزَوَّجَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فَوَلَدَتْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ اللَّهُ فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ النُّبُوَّةَ وَالْخِلافَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ وَضَعَ ذَلِكَ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي. قَالَ هِشَامٌ: وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالا: كَانَ أَوَّلُ مَنْ خَضَبَ بِالْوَسْمَةِ من قريش بمكة عبد المطلب بْنَ هَاشِمٍ. فَكَانَ إِذَا وَرَدَ الْيَمَنَ نَزَلَ عَلَى عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ حِمْيَرَ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ! هَلْ لَكَ أَنْ تُغَيِّرَ هَذَا الْبَيَاضَ فَتَعُودَ شَابًّا؟ قَالَ: ذَاكَ إِلَيْكَ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَخُضِبَ بِحِنَّاءٍ. ثُمَّ عُلِّيَ بِالْوَسْمَةِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: زَوِّدُنَا مِنْ هذا. فزوده فَأَكْثَرَ. فَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ بِالْغَدَاةِ كَأَنَّ شَعْرَهُ حَلَكُ الْغُرَابِ. فَقَالَتْ لَهُ نُتَيْلَةُ بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبٍ أُمُّ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
يَا شَيْبَةَ الْحَمْدِ! لَوْ دَامَ هَذَا لَكَ كَانَ حَسَنًا. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:
لَوْ دَامَ لِي هَذَا السَّوَادُ حَمِدْتُهُ ... فَكَانَ بَدِيلا مِنْ شَبَابٍ قَدِ انْصَرَمَ
تَمَتَّعْتُ مِنْهُ وَالْحَيَاةُ قَصِيرَةٌ ... وَلا بُدَّ مِنْ مَوْتٍ. نُتَيْلَةُ. أَوْ هَرَمْ
وَمَاذَا الَّذِي يُجْدِي عَلَى الْمَرْءِ خَفْضُهُ ... وَنِعْمَتُهُ. يَوْمًا إِذَا عَرْشُهُ انْهَدَمْ
فَمَوْتٌ جَهِيزٌ عَاجِلٌ لا شَوًى لَهُ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَقَالِهِمْ حَكَمْ
قَالَ: فَخَضَبَ أَهْلَ مَكَّةَ بِالسَّوَادِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ أَبِي صَالِحٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الرِّقَةِ مَوْلًى لِبَنِي أَسَدٍ وَكَانَ عَالِمًا قَالا: تَنَافَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ وَحَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ إِلَى النَّجَاشِيِّ الْحَبَشِيِّ فَأَبَى أَنْ يُنَفِّرَ بَيْنَهُمَا. فَجَعَلا بَيْنَهُمَا نُفَيْلَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَّاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. فَقَالَ لِحَرْبٍ: يَا أَبَا عَمْرٍو أَتُنَافِرُ رَجُلا هُوَ أَطْوَلُ مِنْكَ هَامَةً. وَأَوْسَمُ مِنْكَ وَسَامَةً. وَأَقَلُّ مِنْكَ لامَةً. وَأَكْثَرُ مِنْكَ وَلَدًا. وَأَجْزَلَ مِنْكَ صَفَدًا. وَأَطْوَلُ منك

الصفحة 70