كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 1)

نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ:
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ. دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ. قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ قَبَضَهُ إِلَيْهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَضَمَّهُ وَرَقَّ عَلَيْهِ رِقَّةً لَمْ يَرِقَّهَا عَلَى وَلَدِهِ. وَكَانَ يُقَرِّبُهُ مِنْهُ وَيُدْنِيهِ. وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ إِذَا خَلا وَإِذَا نَامَ. وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ: دَعُوا ابْنِي إِنَّهُ لَيُؤْنِسُ مُلْكًا.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: احْتَفِظْ بِهِ فَإِنَّا لَمْ نَرَ قَدَمًا أَشْبَهَ بِالْقَدَمِ الَّتِي فِي الْمَقَامِ مِنْهُ. فقال عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لأَبِي طَالِبٍ: اسْمَعْ مَا يَقُولُ هؤلاء. فكان أبو طالب يحتفظ به. وقال عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لأُمِّ أَيْمَنَ. وَكَانَتْ تَحْضُنُ رَسُولَ الله. ص: يَا بَرَكَةُ لا تَغْفَلِي عَنِ ابْنِي فَإِنِّي وَجَدْتُهُ مَعَ غِلْمَانٍ قَرِيبًا مِنَ السِّدْرَةِ. وَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَزْعُمُونَ أَنَّ ابْنِي هَذَا نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ. وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لا يَأْكُلُ طَعَامًا إِلا قَالَ: عَلَيَّ بِابْنِي. فَيُؤْتَى بِهِ إِلَيْهِ. فَلَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ الْوَفَاةُ أَوْصَى أَبَا طَالِبٍ بِحِفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِيَاطَتِهِ. وَلَمَّا نَزَلَ بِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنَاتِهِ: ابْكِينَنِي وَأَنَا أَسْمَعُ.
فَبَكَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِشِعْرٍ. فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَ أُمَيْمَةَ. وَقَدْ أَمْسَكَ لِسَانُهُ. جَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ أَيْ قَدْ صَدَقْتِ وَقَدْ كُنْتُ كَذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُهَا:
أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ دِرَرْ ... عَلَى طَيِّبِ الْخَيْمِ وَالْمُعْتَصَرْ
عَلَى مَاجِدِ الْجَدِّ وَارِي الزِّنَادِ ... جَمِيلِ الْمُحَيَّا عَظِيمِ الْخَطَرْ
عَلِي شَيْبَةَ الْحَمْدِ ذِي الْمَكْرُمَاتِ ... وَذِي الْمَجْدِ وَالْعِزِّ وَالْمُفْتَخَرْ
وَذِي الْحِلْمِ وَالْفَضْلِ فِي النَّائِبَاتِ ... كَثِيرِ الْمَكَارِمِ جَمِّ الْفَخَرْ
لَهُ فَضْلُ مَجْدٍ عَلَى قَوْمِهِ ... مُبِينٍ يَلُوحُ كَضَوْءِ الْقَمَرِ
أَتَتْهُ الْمَنَايَا فَلَمْ تُشْوِهِ ... بِصَرْفِ اللَّيَالِي وَرَيْبِ الْقَدَرْ
[قَالَ: وَمَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَدُفِنَ بِالْحَجُونِ. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً.
وَيُقَالُ: ابْنُ مِائَةٍ وَعَشْرِ سِنِينَ. وسئل رسول الله. ص: أَتَذْكُرُ مَوْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
قَالَ: نَعَمْ أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ. قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ يَبْكِي خَلْفَ سَرِيرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ] .
قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ قَبْلَ الْفِجَارِ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ.

الصفحة 95