بواسطة الكتاب والسنة وقال القرافي حقيقة الحكم إنشاء إلزام أو إطلاق فالإلزام كحكمه بالنفقة والشفعة والصداق ونحوها
وأما الحكم بالإطلاق فكما إذا حكم بزوال الملك عن أرض زال الإحياء عنها وأن تبقى مباحة لكل أحد وحكم بزوال ملك الصائد عن صيد ند منه وحازه ثان
وحكمه أنه فرض كفاية ولا خلاف بين الأئمة أن القيام بالقضاء واجب ولا يتعين على أحد إلا أن لا يوجد منه عوض وقد اجتمعت فيه شروط القضاء فيجبر عليه قيل أيجبر بالضرب والسجن قال نعم وحكمته رفع التشاجر ورد الثوابت وقمع الظالم ونصر المظلوم وقطع الخصومات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاله ابن رشد وغيره ا
هـ
وقد اشتمل هذا الكلام على حقيقة القضاء ومعناه وحكمه وحكمته ثم قال في التبصرة واعلم أن أكثر المؤلفين بالغوا في التحذير من الدخول في ولاية القضاء حتى تقرر في ذهن كثير من الفقهاء والصلحاء أن من ولي القضاء فقد سهل عليه دينه وألقى بيده إلى التهلكة وهذا غلط فاحش تجب التوبة منه
والواجب تعظيم هذا المنصب الشريف ومعرفة مكانته من الدين فبه بعثت الرسل وبالقيام به قامت السموات والأرض وجعله النبي صلى الله عليه وسلم من النعم التي يباح الحسد عليها فقد جاء من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعمل بها وجاء من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال هل تدرون من السابق إلى ظل الله تعالى يوم القيامة قالوا الله ورسوله أعلم قال الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سألوه بذلوه وإذا حكموا للمسلمين حكموا كحكمهم لأنفسهم
وفي الحديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وقال صلى الله عليه وسلم المقسطون على منابر من نور يوم القيامة إلى غير ذلك
واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويف ووعيد إنما هي في حق قضاة الجور من العلماء وفي حق الجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم ا هـ
باختصار وقوله في التحذير من القضاء وهذا غلط فاحش ليس هو غلطا وإنما هو نظر للغالب الذي هو كالمحقق فإن الطبيعة البشرية واحدة وما جاز على المثل يجوز على مماثله والعيب يحدث لمن لم يكن فيه والنفس مجبولة على حب الدنيا والإمارة والميل للنفس والأقارب والأصحاب ومن يعاملها بخير فالتحذير من القضاء من باب سد الذرائع وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح ومن باب قول القائل إن السلامة من سلمى وجارتها ألا تحل على حال بواديها وقد سمعت من بعض أشياخي رحمه الله أن أميرا ولى إنسانا خطة الحسبة ثم بعد أيام قليلة طلب من الأمير أن يخليه عن تلك الخطة ويوليها لغيره فقال له لم فقال إن الناس يهدون لي ويعاملونني بخير لما توليت ولا أقدر أن أحكم على من يعاملني بخير بما يكره فانظر فإن مثل هذا هو الموجود غالبا وأما من لا يقبل هدية ولا يميل لغرض ولا يخاف في الله لومة لائم فهو قليل لا سيما في هذا الوقت فهو مما يسمع به ولا
____________________