كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة (اسم الجزء: 1)

ولمكان «1» استدبار الكنبانيّة واضطبار «2» البراجلات؛ بحر من بحور الحنطة، ومعدن للحبوب المفضلة، ولمكان شلير، جبل الثلج «3» ، أحد مشاهير جبال الأرض، الذي ينزل به الثلج شتاء وصيفا، وهو على قبلة منها على فرسخين؛ وينساب منه ستة وثلاثون نهرا من فوّهات الماء، وتنبجس من سفوحه العيون، صحّ منها الهواء، واضطردت في أرجائها وساحاتها المياه، وتعدّدت الجنّات بها والبساتين، والتفّت الأدواح، وشمّر الرّوّاد على منابت العشب في مظانّ العقار مستودعات الأدوية والتّرياقيّة. وبردها لذلك في المنقلب الشتوي شديد، وتجمد بسببه الأدهان والمائعات، ويتراكم بساحاتها الثلج في بعض السنين، فجسوم أهلها لصحّة الهواء صلبة، وسحانهم خشنة، وهضومهم قويّة، ونفوسهم لمكان الحرّ الغريزي جريّة «4» .
وهي دار منعة وكرسي ملك، ومقام حصانة. وكان ابن غانية «5» يقول للمرابطين في مرض موته، وقد عوّل عليها للامتساك بدعوتهم: الأندلس درقة، وغرناطة قبضتها؛ فإذا جشّمتم يا معشر المرابطين القبضة، لم تخرج الدرقة من أيديكم.
ومن أبدع ما قيل في الاعتذار عن شدّة بردها، ما هو غريب في معناه، قول شيخنا القاضي أبي بكر بن شبرين رحمه الله «6» : [الطويل]
رعى الله من غرناطة متبوّءا ... يسرّ كئيبا «7» أو يجير طريدا
تبرّم منها صاحبي عندما «8» رأى ... مسارحها بالبرد «9» عدن جليدا
هي الثّغر صان الله من أهلت به ... وما خير ثغر لا يكون برودا؟

الصفحة 16