كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين (اسم الجزء: 1)
[مُقَدِّمَة الْكتاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ خَلْقَهُ أَطْوَارًا، وَصَرَّفَهُمْ فِي أَطْوَارِ التَّخْلِيقِ كَيْف شَاءَ عِزَّةً وَاقْتِدَارًا، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ إلَى الْمُكَلَّفِينَ إعْذَارًا مِنْهُ وَإِنْذَارًا، فَأَتَمَّ بِهِمْ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ سَبِيلَهُمْ نِعْمَتَهُ السَّابِغَةَ، وَأَقَامَ بِهِمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ مَنَاهِجَهُمْ حُجَّتَهُ الْبَالِغَةَ، فَنَصَبَ الدَّلِيلَ، وَأَنَارَ السَّبِيلَ، وَأَزَاحَ الْعِلَلَ، وَقَطَعَ الْمَعَاذِيرَ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ، وَأَوْضَحَ الْمُحَجَّةَ، وَقَالَ: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] وَهَؤُلَاءِ رُسُلِي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، فَعَمَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ حُجَّةً مِنْهُ وَعَدْلًا، وَخَصَّ بِالْهِدَايَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ نِعْمَةً وَفَضْلًا، فَقِيلَ: نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ سَابِقَةُ السَّعَادَةِ وَتَلَقَّاهَا بِالْيَمِينِ، وَقَالَ: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19] ، وَرَدَّهَا مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةُ وَلَمْ يَرْفَعْ بِهَا رَأْسًا بَيْنَ الْعَالَمِينَ، فَهَذَا فَضْلُهُ وَعَطَاؤُهُ {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] وَلَا فَضْلُهُ بِمَمْنُونٍ، وَهَذَا عَدْلُهُ وَقَضَاؤُهُ فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ فَسُبْحَانَ مَنْ أَفَاضَ عَلَى عِبَادِهِ النِّعْمَةَ، وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَأَوْدَعَ الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبَهُ، إنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ، وَتَبَارَكَ مَنْ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ أَعْدَلُ شَاهِدٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنْ فَاضَلَ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ حَتَّى عَدَلَ الْآلَافَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنْهُمْ بِالرَّجُلِ الْوَاحِدِ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ عِبَادُهُ أَنَّهُ أَنْزَلَ التَّوْفِيقَ مَنَازِلَهُ، وَوَضَعَ الْفَضْلَ مَوَاضِعَهُ، وَأَنَّهُ {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 74] {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2] ، {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 29] أَحْمَدُهُ وَالتَّوْفِيقُ لِلْحَمْدِ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَشْكُرُهُ وَالشُّكْرُ كَفِيلٌ بِالْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ وَقَسَمِهِ، وَاسْتَغْفِرْهُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي تُوجِبُ زَوَالَ نِعَمِهِ وَحُلُولَ نِقَمِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَلِمَةٌ قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ، وَفَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتْ الْمِلَّةُ، وَنُصِبَتْ الْقِبْلَةُ، وَلِأَجْلِهَا جُرِّدَتْ سُيُوفُ
الصفحة 3
310