كتاب المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (اسم الجزء: 1)

حتى غربت الشمس لزمه أن يقيم حتى يرمي في اليوم الثالث لقوله عز وجل: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] وإن نفر قبل الغروب ثم عاد زائراً أو ليأخذ شيئاً نسيه لم يلزمه المبيت لأنه حصلت له الرخصة بالغفر فإن بات لم يلزمه أن يرمي لأنه لم يلزمه المبيت فلا يلزمه الرمي ويستحب إذا خرج من منى أن ينزل بالمحصب لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به فإن ترك النزول بالمحصب لم يؤثر ذلك في نسكه لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المحصب ليس بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة رضي الله عنها: نزول المحصب ليس من النسك إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصل: إذا فرغ من الحج فأراد المقام لم يكلف طواف الوداع فإن أراد الخروج طاف للوداع وصلى ركعتي الطواف للوداع وهل يجب طواف الوداع أم لا؟ فيه قولان: أحدهما أنه يجب لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت1" والثاني لا يجب لأنه لو وجب لم يجز للحائض تركه فإن قلنا إنه واجب وجب بتركه الدم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك نسكاً فعليه دم" وإن قلنا لا يجب لم يجب بتركه دم لأنه سنة فلا يجب بتركه دم كسائر سنن الحج وإن طاف الوداع ثم أقام لم يعتد بعد طوافه عن الوداع لأنه لا توديع مع المقام فإذا أراد أن يخرج أعاد طواف الوداع وإن طاف ثم صلى في طريقه أو اشترى زاداً لم يعد الطواف لأنه لا يصير بذلك مقيماً وإن نسي الطواف وخرج ثم ذكر فإن قلنا إنه واجب نظرت فإن كان من مكة على مسافة تقصر فيها الصلاة استقر عليه دم فإن عاد وطاف لم يسقط الدم لأن الطواف الثاني للخروج الثاني فلا يجزئه عن الخروج الأول فإن ذكر وهو على مسافة لا تقصر فيها الصلاة فعاد وطاف سقط عنه الدم لأنه في حكم المقيم ويجوز للحائض أن تنفر بلا وداع لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه قد خفف عن المرأة الحائض فإن نفرت الحائض ثم طهرت فإن كانت في بنيان مكة عادت وطافت وإن خرجت من البنيان لم يلزمها الطواف فإذا
__________
1 رواه مسلم في كتاب الحج حديث 379. أبو داود في كتاب المناسك باب 83. ابن ماجه في كتاب المناسك باب 82. الدارمي في كتاب المناسك باب 85. أحمد في مسنده "1/222".

الصفحة 422