كتاب المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (اسم الجزء: 1)

فلا يجب احتماله من غير ضرورة وإن كانوا مسلمين لم يكره
فصل: وإن أحصره العدو عن الوقوف أو الطواف أو السعي فإن كان له طريق آخر يمكنه الوصول منه إلى مكة لم يجز له التحلل قرب أو بعد لأنه قادر على أداء النسك فلا يجوز له التحلل بل يمضي ويتم النسك وإن سلك الطريق الآخر ففاته الحج تحلل بعد عمرة وفي القضاء قولان: أحدهما يجب عليه لأنه فاته الحج فأشبه إذا أخطأ العدد والثاني لا يجب عليه لأنه تحلل من غير تفريط فلم يلزمه القضاء كما لو تحلل بالإحصار فإن أحصر ولم يكن له طريق آخر جاز له أن يتحلل لقوله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أحصره المشركون في الحديبية فتحلل ولأنا لو ألزمناه البقاء على الإحرام ربما طال الحصر سنين فتلحقه المشقة العظيمة في البقاء على الإحرام وقد قال الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] فإن كان الوقت واسعاً فالأفضل أن لا يتحلل لأنه ربما زال الحصر وأتم النسك وإن كان الوقت ضيقاً فالأفضل أن يتحلل حتى لا يفوته الحج فإن اختار التحلل نظرت فإن كان واجداً للهدي لم يجز له أن يتحلل حتى يهدي لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] فإن كان في الحرم ذبح الهدي فيه وإن كان في غير الحرم ولم يقدر على الوصول إلى الحرم ذبح الهدي حيث أحصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بالحديبية وهي خارج الحرم وإن قدر على الوصول إلى الحرم ففيه وجهان: أحدهما إنه يجوز أن يذبح في موضعه لأنه موضع تحلله فجاز فيه الذبح كما لو أحصر في الحرم والثاني لا يجوز أن يذبح إلا في الحرم لأنه قادر على الذبح في الحرم فلا يجوز أن يذبح في غيره كما لو أحصر فيه ويجب أن ينوي بالهدي التحلل لأن الهدي قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فوجب أن ينوي ليميز بينهما ثم يحل لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية فإن قلنا إن الحلق نسك حصل له التحلل بالهدي والنية والحلق وإن قلنا إنه ليس بنسك حصل له التحلل بالنية والهدي وإن كان عادماً للهدي ففيه قولان: أحدهما لا بدل للهدي لقوله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] فذكر الهدي ولم يذكر له بدلاً ولو كان بدل لذكره كما ذكره في جزاء الصيد والقول الثاني له بدل لأنه دم يتعلق وجوبه بالإحرام فكان له بدل كدم التمتع فإن قلنا لا بدل للهدي فهل يتحلل فيه قولان: أحدهما لا يتحلل حتى يجد الهدي لأن الهدي شرط في التحلل فلا يجوز التحلل قبله والثاني أنه يتحلل لأنا لو ألزمناه البقاء على

الصفحة 426