كتاب المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (اسم الجزء: 1)

الخير أو دفع السوء عنه لزمه الوفاء بالنذر لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ركبت في البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهراً فماتت قبل أن تصوم فأتت أختها أو أمها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصوم عنها فإن لم يعلقه على شيء بأن قال لله علي أن أصوم أو أصلي ففيه وجهان: أحدهما أنه يلزمه وهو الأظهر لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه1" والثاني لا يلزمه وهو قول أبي إسحاق وأبي بكر الصيرفي لأنه التزام من غير عوض فلم يلزمه بالقول كالوصية والهبة وإن نذر طاعة في لجاج وغضب بأن قال إن كلمت فلاناً فعلي كذا فكلمه فهو بالخيار بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين لما روى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفارة النذر كفارة يمين2" ولأنه يشبه من حيث إنه قصد المنع والتصديق ويشبه النذر من حيث إنه التزم قربة في ذمته فخير بين موجبهما ومن أصحابنا من قال: إن كانت القربة حجاً أو عمرة لزمه الوفاء به لأن ذلك يلزم بالدخول فيه بخلاف غيره والمذهب الأول لأن العتق أيضاً يلزم إتمامه بالتقويم ثم لا يلزمه.
فصل: إذا نذر أن يصدق بماله لزمه أن يتصدق بالجميع لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر نذراً أن يطيع الله فليطعه" فإن نذر أن يعتق رقبة ففيه وجهان: أحدهما يجزئه ما يقع عليه من الاسم اعتباراً بلفظه والثاني لا يجزئه إلا ما يجزئ في الكفارة لأن الرقبة التي يجب عتقها بالشرع ما تجب في الكفارة فحمل النذر عليه فإن نذر أن يعتق رقبة بعينها لزمه أن يعتقها ولا يزول ملكه عنها حتى يعتقها فإن أراد بيعها أو إبدالها بغيرها لم يجز لأنه تعين للقربة فلا يملك بيعه كالوقف وإن تلف أو أتلفه لم يلزمه بدله لأن الحق للعبد فسقط بموته فإن أتلفه أجنبي وجبت عليه القيمة للمولى ولا يلزمه صرفها في عبد آخر لما ذكرناه.
فصل: وإن نذر هدياً نظرت فإن سماه كالثوب والعبد والدار لزمه ما سماه وإن أطلق الهدي ففيه قولان: قال في الإملاء والقديم: يهدي ما شاء لأن اسم الهدي يقع عليه
__________
1 رواه البخاري في كتاب الأيمان باب 28، 31. أبو داود في كتاب الأيمان باب 19. الترمذي في كتاب النذور باب 2. النسائي في كتاب الأيمان باب 27، 28.
2 رواه مسلم في كتاب النذر حديث 12. أبو داود في كتاب الأيمان باب 25 الترمذي في كتاب النذور باب 4. أحمد في مسنده "4/144".

الصفحة 442