كتاب فيض القدير - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
في العربية وليس في ذلك كبير فضيلة ولا مزيد فائدة، إنما الشأن في معرفة مقصوده صلى الله عليه وسلم وبيان ما تضمنه كلامه من الحكم والأسرار بيانا تعضده أصول الشريعة، وتشهد بصحته العقول السليمة.
وما سوى ذلك ليس من الشرح في شئ.
قال ابن السكيت خذ من النحو ما تقيم به الكلام فقط ودع الغوامض.
ولم أكثر من نقل الأقاويل والاختلافات، لما أن ذلك على الطالب من أعظم الآفات، إذ هو كما قال حجة الإسلام يدهش عقله ويحير ذهنه.
قال: وليحذر من أستاذ عادته نقل المذاهب وما قيل فيها فإن إضلاله أكثر من إرشاده كيقما كان، ولا يصلح الأعمى لقود العميان.
ومن كان دأبه ليس إلا إعادة ما ذكره الماضون وجمع ما دونه السابقون فهو منحاز عن مراتب التحقيق، معرج عن ذلك الطريق بل هو كحاطب ليل، وغريق في سيل، إنما الحبر من عول على سليقته القويمة، وقريحته السليمة مشيرا إلى ما يستند الكلام إليه من المعقول والمنقول، رامزا إلى ذلك رمز المفروغ منه المقرر في العقول.
قال حجة الإسلام في الإحياء: ينبغي أن يكون اعتماد العلماء في العلوم على بصيرتهم وإدراكهم وبصفاء قلوبهم لا على الصحف والكتب ولا على ما سمعوه من غيرهم فإنه إن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم لا عالما اه.
فيا أيها الناظر اعمل فيه بشرط الواقف من استيفاء النظر بعين العناية وكمال الدراية، لا يحملك احتقار مؤلفه على التعسف، ولا الحظ النفساني على أن يكون لك عن الحق تخلف، فإن عثرت منه على هفوة أو هفوات، أو صدرت فيه عن كبوة أو كبوات، فما أنا بالمتحاشي عن الخلل ولا بالمعصوم عن الزلل، ولا هو بأول قارورة كسرت، ولا شبهة مدفوعة زبرت، ومن تفرد في سلوك السبيل، لا يأمن من أن يناله أمر وبيل، ومن توحد بالذهاب في الشعاب والقفار، فلا يبعد أن تلقاه الأهوال والأخطار.
وكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك، ومدفوع إلى منهج مع خطر الخطأ مسلوك.
ولا يسلم من الخطأ إلا من جعل التوفيق دليله في مفترقات السبل، وهم الأنبياء والرسل، على أني علقته باستعجال، في مدة الحمل والفصال، والخواطر كسيرة، وعين الفؤاد غير قريرة، والقرائح قريحة.
والجوارح جريحة، من جنايات الأيام والأنام، تأديبا من الله عن الركون إلى من سواه، واللياذ بمن لا تؤمن غلسة هواه، فرحم الله امرءا قهر هواه، وأطاع الإنصاف وقواه، ولم
يعتمد العنت ولا قصد قصد من إذا رأى حسنا ستره وعيبا أظهره ونشره.
وليتأمله بعين الإنصاف، لا بعين الحسد والانحراف.
فمن طلب عيبا وجد وجد، ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضا والإنصاف فقد فقد، والكمال محال لغير ذي الجلال.
ولما من الله تعالى بإتمام هذا التقريب، وجاء بحمد الله آخذا من كل مطلب بنصيب، نافذا في الغرض بسهمه المصيب، كامدا قلوب الحاسدين بمفهومه ومنطوقه، راغما أنوف المتصلفين لما استوى على سوقه، سميته: فيض القدير، بشرح الجامع الصغير.
ويحسن أن يترجم بمصابيح التنوير، على الجامع الصغير، ويليق أن يدعى: بالبدر المنير، في شرح الجامع الصغير، ويناسب أن يترجم: بالروض النضير في شرح الجامع الصغير.
هذا: وحيث أقول القاضي فالمراد البيضاوي.
أو العراقي فجدنا من قبل الأمهات الحافظ الكبير زين الدين العراقي، أو جدي فقاضي القضاة يحيى المناوي، أو ابن حجر فخاتمة الحفاظ أبو الفضل العسقلاني، رحمهم الله تعالى سبحانه.
وأنا أحقر الورى خويدم الفقهاء: محمد المدعو عبد الرؤوف المناوي، حفه الله بلطف سماوي، وكفاه شر المعادي والمناوي، ونور قبره حين إليه يأوي، وعلى الله الإتكال، وإليه المرجع والمال، لا ملجأ إلا لإياه، ولا قوة إلا بالله، وها أنا أفيض في المقصود، مستفيضا من ولي الطول والجود
الصفحة 4
727