كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 1)

دَخَلَ الرَّبِيعُ وَخَرَجَ وَقَالَ لِلْمَهْدِيِّ: ادْخُلْ أَصْلَحَكَ اللَّهُ. ثُمَّ خَرَجَ. فَقَالَ: ادْخُلُوا جَمِيعًا، فَدَخَلْنَا فسلمنا وأخذنا مجالسنا، فقال للربيع: هات دويّا وَمَا يَكْتُبُونَ فِيهِ، فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ وَاحِدٍ منا دواة وورقا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ. فَقَالَ:
يَا عَمُّ حَدِّثْ وَلَدَكَ وَإِخْوَتَك وبني أَخِيكَ بِحَدِيثِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ. عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْبِرَّ وَالصِّلَةَ لَيُطِيلانِ الأَعْمَارَ وَيُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ وَيُثْرِيَانِ الأَمْوَالَ وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ فُجَّارًا [1] »
. ثُمَّ قَالَ: يَا عَمُّ الْحَدِيثَ الآخَرَ. فَقَالَ
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ.
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ. قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْبِرَّ وَالصِّلَةَ لَيُخَفِّفَانِ سُوءَ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [2] » . ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ
[الرعد 21]
. فَقَالَ الْمَنْصُورُ: يَا عَمُّ الْحَدِيثَ الآخَرَ. فَقَالَ
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ.
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَلَكَانِ أَخَوَانِ على مدينتين، وكان أحدهما بارا بِرَحِمِهِ، عَادِلا عَلَى رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ الآخَرُ عَاقًّا بِرَحِمِهِ، جَائِرًا عَلَى رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ فِي عَصْرِهِمَا نَبِيٌّ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ: أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِ هَذَا الْبَارِّ ثَلاثُ سِنِينَ، وَبَقِيَ مِنْ عُمْرِ هَذَا الْعَاقِّ ثَلاثُونَ سَنَةً. قَالَ: فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ رَعِيَّةَ هَذَا وَرَعِيَّةَ هَذَا، فَأَحْزَنَ ذَلِكَ رَعِيَّةَ الْعَادِلِ وَأَحْزَنَ ذَلِكَ رَعِيَّةَ الْجَائِرِ. قَالَ فَفَرَّقُوا بَيْنَ الأَطْفَالِ وَالأُمَّهَاتِ، وَتَرَكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَخَرَجُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يُمَتِّعَهُمْ بِالْعَادِلِ، وَأَنْ يُزِيلَ عَنْهُمْ أَمْرَ الْجَائِرِ؛ فَأَقَامُوا ثَلاثًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ: أَنْ أَخْبِرْ عِبَادِي أَنِّي قَدْ رَحِمْتُهُمْ وَأَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ، فَجَعَلْتُ مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِ هَذَا الْبَارِّ لِذَلِكَ الْجَائِرِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِ الْجَائِرِ لِهَذَا الْبَارِّ. قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَمَاتَ الْعَاقُّ لِتَمَامِ ثَلاثِ سِنِينَ، وَبَقِيَ الْعَادِلُ فِيهِمْ ثَلاثِينَ سَنَةً. ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
[فاطر 11]
. ثُمَّ الْتَفَتَ الْمَنْصُورُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ حَدِّثْ إِخْوَتَكَ وَبَنِي عَمِّكَ بِحَدِيثِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِرِّ. فقال
جعفر بن محمّد:
__________
[1] انظر الحديث في: أمالى الشجري 2/128، 130، 131. وكنز العمال 6919، 6936.
والجامع الكبير 5413.
[2] انظر الحديث في: الجامع الكبير للسيوطي 5414. والدر المنثور 4/56. وكنز العمال 6937. والبداية والنهاية 10/186.

الصفحة 403