كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 1)
@ 10 @
أعقبت من سوء الذكر وقبيح الأحدوثة وخراب البلاد وهلاك العباد وذهاب الأموال وفساد الأحوال استقبحوها وأعرضوا عنها واطرحوها وإذا رأوا سيرة الولاة العادلين وحسنها وما يتبعها من الذكر الجميل بعد ذهابهم وان بلادهم وممالكم عمرت واموالها درت استحسنوا ذلك ورغبوا فيه وثابروا عليه وتركوا ما ينافيه هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي دفعوا بها مضرات الأعداء وخلصوا بها من المهالك واستصانوا نفائس المدن وعظيم الممالك ولو لم يكن فيها غير هذا لكفى به فخرا
ومنها ما يحصل للانسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدم هو أو نظيره فيزداد بذلك عقلا ويصبح لأن يفتدى به أهلا ولقد أحسن القائل حيث يقول
(رأيت المعقل عقلين ... فمطبوع ومسموع)
(فلا ينفع مسموع ... إذا لم يك مطبوع)
(كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع)
يعني بالمطبوع العقل الغريزي الذي خلقه الله تعالى للانسان وبالمسموع ما يزداد به العقل الغريزي من التجربة وجعله عقلا ثانيا وتعظيما له وإلا فهو زيادة في عقله الأول. ومنها ما يتجمل به الانسان في المجالس والمحافل من ذكر شيء من معارفها ونقل طريفة من طرائفها فترى الاسماع مصغية اليه والوجوه مقبلة عليه: والقلوب متأملة مايورده ويصدره مستحسنة ما يذكره.
$ الفوائد الأخروية $
وأما الفوائد الأخروية فمنها ان العاقل اللبيب إذا تفكر فيها ورأى تقلب الدنيا باهلها وتتابع نكباتها إلى أعيان قاطنيها وأنها سلبت نفوسهم وذخائرهم وأعدمت أصاغرهم وأكابرهم فلم تبق على جليل ولا حقير ولم يسلم من نكدها غني ولا فقير زهد فيها وأعرض عنها وأقبل على التزود للاخرة منها ورغب في دار تنزهت عن هذه الخصائص وسلم أهلها من هذه النقائص ولعل قائلا يقول ما نرى ناظرا فيها زهد في الدنيا وأقبل على الآخرة ورغب في درجاتها العليا فياليت شعري كم رأى هذا القائل قارئا للقرآن العزيز وهو سيد المواعظ وافصح الكلام يطلب به اليسير من هذا الحطام فإن القلوب مولعة بحب العاجل.
ومنها التخلق بالصبر والتأسي وهما من محاسن الأخلاق فإن العاقل إذا رأى ان مصاب الدنيا لم يسلم منه نبي مكرم ولا ملك معظم بل ولا احد من البشر علم أنه يصيبه ما أصابهم وينوبه ما نابهم.
(وهل أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وأن ترشد غزية أرشد)
ولهذه الحكمة وردت القصص في القرآن المجيد {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} فإن ظن هذا القائل أن الله سبحانه أراد بذكرها الحكايات والأسمار فقد تمسك من أقوال الزيغ بمحكم سببها حيث قالوا هذه أساطير الأولين اكتتبها.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا قلبا عقولا ولسانا صادقا ويوفقنا للسداد في القول والعمل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الصفحة 10
626