@ 134 @
بل كانوا يظنون أن ذلك بسبب الرضاع فلما اشتد غضبه وكزه { فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } أوحى الله تعالى إلى موسى وعزتي لو أن النفس التي قتلت أقرت له ساعة واحدة إني خالق رازق لأذقتك العذاب قال { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين فأصبح في المدينة خائفا يترقب } أن يؤخذ { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } يقول يستعينه { قال له موسى إنك لغوي مبين } ثم أقبل لينصره فلما نظر موسى وقد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذي يقاتل الاسرائيلي خاف أن يقتله من أجل أنه أغلظ له في الكلام قال { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } فترك القبطي فذهب فأفشى عليه أن موسى هو الذي قتل الرجل فطلبه فرعون وقال خذوه فإنه صاحبنا فجاء رجل فأخبره وقال له { إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج } قيل كان حزقيل مؤمن آل فرعون كان على بقية من دين إبراهيم عليه السلام وكان أول من آمن بموسى
فلما أخبره خرج من بينهم { خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين } وأخذ في ثنيات الطريق فجاءه ملك على فرس وفي يده عنزة وهي الحربة الصغيرة فلما رآه موسى سجد له من الفرق فقال له لا تسجد لي ولكن اتبعني فهداه نحو مدين وقال موسى وهو متوجه إليها عسى ربي أن يهديني سواء السبيل فانطلق به الملك حتى انتهى به إلى مدين فكان قد سار وليس معه طعام وكان يأكل ورق الشجر ولم يكن له قوة على المشي فما بلغ مدين حتى سقط خف قدمه 135
ف { ولما ورد ماء مدين } قصد الماء { وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان } أي تحبسان غنمهما وهما ابنتا شعيب النبي وقيل ابنتا يثرون وهو ابن أخي شعيب فلما رآهما موسى سألهما { ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير } فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة عليها كان النفر من أهل مدين يجتمعون عليها حتى يرفعوها فسقى لهما غنمهما فرجعتا سريعا وكانتا إنما تسقيان من فضول الحيض وقصد موسى شجرة هناك ليستظل بها فقال { إني لما أنزلت إلي من خير فقير } قال ابن عباس لقد قال موسى ذلك ولو شاء انسان أن ينظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع لفعل وما سأل إلا أكله
فلما رجع الجاريتان إلى أبيهما سريعا سألهما فأخبرتاه فأعاد إحداهما إلى موسى تستدعيه فأتته وقالت له { إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } فقام معها فمشت بين يديه فضربت الريح ثوبها فحكى عجيزتها فقال لها امش خلفي ودليني على الطريق فإنا أهل بيت لا ننظر في أعقاب النساء
فلما أتاه { وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما } وهي التي أحضرته { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } قال لها أبوها القوة قد رأيتها فما يدريك بأمانته فذكرت له ما أمرها به من المشي خلفه فقال له أبوها { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني } نفسك { ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك } فقال له موسى { ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل }
فأقام عنده يومه فلما أمسى أحضر شعيب العشاء فامتنع موسى من الأكل