@ 138 @
هذان برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين
{ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني } أي يبين لهم عني ما أكلمهم به فإنه يفهم عني ما لا يفهمون قال { سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون }
فأقبل موسى إلى أهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها ليلا فتضيف على أمه وهو لا يعرفهم ولا يعرفونه فجاء هارون فسألها عنه فاخبرته أنه ضيف فدعاه فأكل معه وسأله هارون من أنت قال أنا موسى فاعتنقا
وقيل إن الله ترك موسى سبعة أيام ثم قال أجب ربك فيما كلمك فقال { رب اشرح لي صدري } الآيات فأمره بالمسير إلى فرعون ولم يزل أهله مكانهم لا يدرون ما فعل حتى مر راع من أهل مدين فعرفهم فاحتملهم إلى مدين فكانوا عند شعيب حتى بلغهم خبر موسى بعد ما فلق البحر فساروا إليه
وأما موسى فإنه سار إلى مصر وأوحى الله إلى هارون يعلمه بقفول موسى ويأمره بتلقيه فخرج من مصر فالتقى به قال موسى يا هارون إن الله تعالى قد أرسلنا إلى فرعون فانطلق معي إليه قال سمعا وطاعة
فلما جاء إلى بيت هارون وأظهر أنهما ينطلقان إلى فرعون سمعت ذلك ابنة هارون فصاحت أمهما فقالت أنشدكما أن لا تذهبان إلى فرعون فيقتلكما جميعا فأبيا فانطلقا إليه ليلا فضربا بابه فقال فرعون لبوابه من هذا الذي يضرب بابي هذه الساعة فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى { إنا رسولا ربك } فأخبر فرعون فأدخل إليه
وقيل أن موسى وهارون مكثا سنتين يغدوان إلى باب فرعون ويروحان يلتمسان الدخول إليه فلم يجسر أحد يخبره بشأنهما حتى أخبره مسخرة كان يضحكه بقوله فأمر حينئذ فرعون بإدخالهما
فلما دخلا قال له موسى إني رسول من رب العالمين فعرفه فرعون فقال له { ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما } يعني نبوة { وجعلني من المرسلين }
فقال له فرعون { إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين } قد فتح فاه فوضع اللحى الأسفل في الأرض والأعلى على القصر وتوجه نحو فرعون ليأخذه فخافه فرعون ووثب فزعا فأحدث في ثيابه ثم بقي بضعا وعشرين يوما يجيء بطنه حتى كاد يهلك وناشده فرعون بربه تعالى أن يرد الثعبان فأخذه موسى فعاد عصا ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها بيضاء كالثلج لها نور يتلألأ ثم ردها إلى ما كانت عليه من لونها ثم أخرجها الثانية لها نور ساطع في السماء تلك منه الأبصار قد أضاءت ما حولها يدخل نورها البيوت ويرى من الكوى ومن وراء الحجب فلم يستطع فرعون النظر إليها ثم ردها موسى في جيبه وأخرجها فإذا هي على لونها
وأوحى الله إلى موسى وهارون أن { فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } فقال له موسى هل لك في أن أعطيك شبابك فلا تهرم وملكك فلا ينزع وأرد إليك لذة المناكح والمشارب والركوب فإذا مت دخلت الجنة وتؤمن بي فقال لا حتى يأتي هامان فلما حضر هامان عرض عليه قول موسى فعجزه وقال له تصير تعبد بعد أن كنت تعبد ثم قال له أنا أرد عليك شبابك فعمل له الوسمة فخضبه بها فهو