كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 1)

@ 568 @
الله تسع سنين فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له وكان ذا علم في النصرانية ولم يزل بتلك الصومعة راهب يصير إليه علمهم وبها كتاب يتوارثونه فلما رآهم بحيرا صنع لهم طعاما كثيرا وذلك لأنه رأى على رسول الله غمامة تظلله من بين القوم ثم أقبلوا حتى نزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الشجرة وقد هصرت أغصانها حتى استظل لها فنزل إليهم من صومعته ودعاهم فلما رأى بحيرا رسول الله جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده كان يجدها من صفته فلما فرغ القوم من الطعام وتفرقوا سأل النبي عن أشياء من حاله في يقظته ونومه فوجدها بحيرا موافقة لما عنده من صفته ثم نظر إلى خاتم النبوة بين كفيه ثم قال بحيرا لعمه أبي طالب ما هذا الغلام منك قال ابني قال ما ينبغي أن يكون أبوه حيا قال فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلى به قال صدقت ارجع به إلى بلدك واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فإنه كائن له شأنا عظيم فخرج به عمه حتى أقدمه مكة وقيل بينما هو يقول لعمه في إعادته إلى مكة وتخوهم عليه من الروم إذ أقبل سبعة نفر من الروم فقال لهم بحيرا ما جاء بكم قالوا جئنا لأن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس وإنا بعثنا إلى طريقك قال أرأئتم أمرا أراه الله هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا لا وتابعوا إلى بحيرا وأقاموا عنده وقال رسول الله ما هممت بشيء مما كان الجاهلية يعملونه غير مرتين كل ذلك يحول الله بيني وبينه ثم ما هممت به حتى أكرمني برسالته قلت ليلة للغلام يرعى معي بأعلى مكة لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب فقال افعل فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفا فقلت ما هذا فقالوا عرس فلان بفلانه فجلست أسمع فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا حر الشمس فعدت إلى صاحبي فسألني فأخبرته ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ودخلت مكة فأصابني مثل أول ليلة ثم ما هممت بعده بسوء

الصفحة 568