كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 1)
الذين هلكوا بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم، وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسلهم. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في البحث عن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم":
قال بعض العلماء: هذا يؤخذ منه أن النهي أشد من الأمر؛ لأن النهي لم يرخص في ارتكاب شيء منه، والأمر قُيّد بحسب الاستطاعة، ورُوي هذا عن الإمام أحمد رحمه الله، ويشبه هذا قول بعضهم: أعمال البر يعملها البر والفاجر، وأما المعاصي فلا يتركها إلا صديق. ورُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "اتق المحارم تكن أعبد الناس". رواه الترمذيّ (¬1). وقالت عائشة رضي الله عنها: "من سره أن يسبق الدائب المجتهد، فليكف عن الذنوب"، وروي مرفوعا. وقال الحسن: ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه.
والظاهر أن ما ورد من تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به على نوافل الطاعات، وإلا فجنس الأعمال الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات؛
¬__________
(¬1) أخرجه الترمذيّ من طريق الحسن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعمل بهن، أو يعلم من يعمل بهن؟ "فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي، فعد خمسا، وقال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك، تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك، تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك، تكن مسلما، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب"، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئا، هكذا رُوي عن أيوب ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة. وروى أبو عبيدة الناجي، عن الحسن هذا الحديث قوله، ولم يذكر فيه: عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. انتهى. وحسّنه الشيخ الألبانيّ رحمه الله تعالى، انظر "صحيح الجامع الصغير" 1/ 82 رقم 100 و"السلسلة الصحيحة" رقم 930.