كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

كالجراد المنتشر فلما نظر خالد ذلك تدرع بدرع مسلمة ثم صرخ في وجه المسلمين وقال هذا يوم ما بعده يوم وهذا العدو قد زحف بخيله فدونكم والجهاد فانصروا الله ينصركم وكونوا ممن باع نفسه لله عز وجل وكأنكم باخوانكم المسلمين قدموا عليكم مع أبي عبيدة بن الجراح ثم بعد ذلك استقبل الجيش وصرخ بملء رأسه فأرعب المشركين من صرخته وحمل شرحبيل بن حسنة وعبد الرحمن بن أبي بكر وضرار بن الأزور ومذ حمل ضرار لم يول عنهم بل قتل من الميمنة خمسة فرسان ومن الميسرة كذلك ثم حمل ثاني مرة فقتل منهم ستة فرسان ولولا سهام القوم لما رد عن قتالهم فشكره خالد بن الوليد وقال لعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه: أحمل بارك الله فيك قال فحمل عبد الرحمن وفعل كما فعل ضرار بن الأزور وقاتل قتالا شديدا ثم حمل من بعده خالد بن الوليد ورفع رمحه ورأى العسكر من أمور الحرب حتى جزع الروم من شجاعته فلما نظر إليه البطريق كلوس علم إنه أمير الجيش وعلم إنه يقصده فتأخر كلوس إلى ورائه من مخافته فلما نظر خالد إلى قهقرة كلوس إلى ورائه حمل عليه ليرده فوقعت عليه البطارقة ورموه بالسهام فلم يلتفت إليهم خالد ولم يعبأ بهم ولم يرجع حتى قتل عشرين ثم انثنى بجواده بين الصفين وجال بجواده بين الفريقين وطلب البراز فلم يجبهأحد وقالوا: أخرجوا غيره منكم فقال: ويلكم ها أنا رجل واحد من العرب وكلنا في الحرب سواء فما منهم من فهم كلامه فأقبل عزازير على كلوس وقال أليس الملك قد قدمك علي جيشه وبعثك إلى قتال العرب فدونك حام عن بلدك ورعيتك.
فقال كلوس أنت أحق مني بذلك لأنك أقدم مني وقد عزمت إنك لا تخرج إلا باذن الملك هرقل فما بالك لا تخرج إلى قتال أمير العرب فقال لهما العساكر تقارعا فمن وقعت عليه القرعة فلينزل إلى قتال أمير العرب فقال كلوس لا بل نحمل جميعا فهو أهيب لنا قال: وخاف كلوس أن يبلغ الملك ذلك فيطرده من عنده أو يقتله قال فتقارعا فوقعت القرعة على كلوس فقال عزازير اخرج وبين شجاعتك فقال كلوس لأصحابه أريد أن تكون همتكم عندي فإن رأيتم مني تقصيرا فاحملوا وخلصوني فقال لأصحابه: هذا كلام عاجز لا يفلح أبدا فقال: يا قوم أن الرجل بدوي ولغته غير لغتي فخرج معه رجل أسمه جرجيس وقال له: أنا أترجم لك فسار معه فقال كلوس اعلم يا جرجيس أن هذا رجل ذو شجاعة فإن رأيته غلبني فاحمل أنت عليه حتى نقضي يومنا معه ويخرج له غدا عزازير فيقتله ونستريح منه وأتخذك أنا صديقي فقال له: ما أنا أهل حرب وإنما أخوفه بالكلام قال فسكت وسارا حتى قربا من خالد فنظر إليهما قال فهم أن يخرج إليهما رافع بن عميرة فصاح فيه خالد قال: مكانك لا تبرح فاني كفء لهما فلما دنوا من خالد قال كلوس لصاحبه قل له: من أنت وما تريد وخوفه من.

الصفحة 31