كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

أهل القرآن إلى أين تريدون أما علمتم أن من ولى ظهره لعدوه فقد باء بغضب من الله وأن الجنة لها أبواب لا تفتح إلا للمجاهدين الصبر الصبر الجنة الجنة يا أهل الكتاب كروا على الكفار عباد الصلبان وها أنا معكم في أوائلكم فإن كان صاحبكم أسر أو قتل فإن الله حي لا يموت وهو يراكم بعينه التي لا تنام فرجعوا وحملوا معه.
قال: ووصل الخبر إلى خالد أن ضرار قد أسر بيد الروم وانه قتل من الروم خلقا كثيرا فعظم ذلك على خالد وقال في كم العدو قالوا: اثني عشر ألف فارس فقال: والله ما ظننت إلا إنهم في عدد يسير ولقد غررت بقومي ثم سأل عن مقدمهم من يكون فقيل وردان صاحب حمص وقد قتل ضرار ولده همدان فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم ارسل إلى أبي عبيدة يستشيره فبعث إليه أبو عبيدة يقول له: اترك على الباب الشرقي من تثق به وسر إليهم فانك تطحنهم باذن الله تعالى فلما وصل الجواب إلى خالد قال: والله ما أنا ممن يبخل بنفسه في سبيل الله ثم أوقف بالمكان ميسرة بن مسروق العبسي رضي الله عنه ومعه ألف فارس وقال له: احذر أن تنقذ من مكانك فقال ميسرة حبا وكرامة وعطف خالد بالناس وقال له: أطلقوا الأعنة وقوموا الاسنة فإذا أشرفتم على العدو فاحملوا حملة واحدة ليخلص فيها ضرار أن شاء الله تعالى أن كانوا أبقوا عليه والله أن كانوا عجلوا عليه لنأخذن بثأره أن شاء تعالى وأرجو أن لا يفجعنا به ثم تقدم أمام القوم وجعل يقول:
اليوم يوم فاز فيه من صدق
...
لا ارهب الموت إذا الموت طرق
لاروين الرمح من ذوي الحدق
...
لاهتكن البيض هتكا والدرق
عسى أرى غدا مقام من صدق
...
في جنة الخلد والقى من سبق
خولة بن الأزور
فبينما خالد يترنم بهذه الأبيات إذ نظر إلى فارس على فرس طويل وبيده رمح طويل وهو لا يبين منه إلا الحدق والفروسية تلوح من شمائله وعليه ثياب سود وقد تظاهر بها من فوق لامته وقد خرم وسطه بعمامة خضراء وسحبها على صدره ومن ورائه وقد سبق أمام الناس كأنه نار فلما نظره خالد قال ليت شعري من هذا الفارس وايم الله إنه لفارس شجاع ثم اتبعه خالد والناس وكان هذا الفارس اسبق الناس المشاركين قال: وكان رافع بن عميرة الطائي رضي الله عنه في قتال المشركين وقد صبر لهم هو ومن معه إذ نظر خالدا وقد أنجده هو ومن معه من المسلمين ونظر إلى الفارس الذي وصفناه وقد حمل على عساكر الروم كأنه النار المحرقة فزعزع كتائبهم وحطم مواكبهم ثم غاب.

الصفحة 40