كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

تقولون في هؤلاء العرب فاني اراهم غالبين علينا وقد رأيت اسيافهم قاطعة وخيلهم صابرة وسواعدكم بليدة وأن القوم أطوع منكم لربكم وما خذلتم إلا بالظلم والجور والغدر وما مرادي منكم إلا أن تتوبوا إلى ربكم فإن فعلتم ذلك رجوت لكم النصر من عدوكم وأن لم تفعلوا ذلك فائذنوا بحرب من المسيح وبهلاك أنفسكم فإن الله عاقبكم اشد عقوبة إذ سلط عليكم اقواما لا نفكر بهم ولا نعدهم لأن أكثرهم جياع وعبيد وعراة ومساكين أخرجهم إلينا قحط الحجاز وجوعه وشدة الضرر والبلاء والان قد أكلوا من خبز بلادنا وفواكه أرضنا وأكلوا العسل والتين والعنب وأعظم ذلك سبي نسائكم وأموالكم.
قال الواقدي: فلما سمع القوم ذلك بكوا وقالوا: نقتل عن آخرنا ولا يصل إلينا هؤلاء القوم وأنا نرى أن نقاتلهم بالرماح قال فلما سمع وردان ذلك منهم صاح بالبطارقة وقال لهم: ما عندكم من الرأي فقال رجل منهم يا وردان اعلم إنك قد بليت بقوم لا تقوم لقتالهم وقد رأيت الواحد منهم يحمل على عسكرنا ولا يبالي منأحد ولا يرجع حتى يقتل منهم وقد قال لهم نبيهم: أن من قتل منكم صار إلى الجنة ومن قتل من الروم صار إلى النار والموت والحياة عندهم سواء وما أرى لكم من القوم مطمعا إلا أن نتحيل على صاحبهم فنقتله فإن قتلتموه ينهزم القوم وإنك لا تصل إليه إلا بحيلة توقعه فيها فقال وردان واي حيلة ندخل بها على القوم والحيل والخداع والمكر منهم.
فقال له البطريق: أنا أقول لك شيئا أن صنعته وصلت به إلى أمير العرب من حيث لا يصل إليك شيء ولا اذى وذلك إنك تنتخب عشرة من الفرسان من ذوي الشدة والبأس ويكمنون في مكمن من جهة العسكر قبل خروجك إليه وبعد ذلك تخرج إليه وتشاغله بالحديث ثم اهجم عليه وأخرج قومك يبادرون من المكمن ويقطعونه اربا اربا وتستريح منه وبعد ذلك تتفرق أصحابه ولا يجتمع منهم أحد قال فلما سمع وردان ذلك من البطريق فرح فرحا عظيما وقال: ما هذا إلا رأي سديد فنعم ما اشرت به وقد أصبت فيما ذكرت غير أن هذا الأمر يعمل في جنح الليل ولا يأتي الصباح إلا وقد فرغنا مما نريد ثم أن وردان دعا برجل من العرب المتنصرة اسمه داود وكان في سكنه وقال له: يا داود أنا أعلم إنك فصيح اللسان وإني أريد أن تخرج إلى هؤلاء العرب وتسألهم أن يقطعوا الحرب بيننا وبينهم وقل لهم لا يخرجون لنا بكرة النهار حتى أخرج بنفسي إليهم منفردا عن قومي ولعلنا نصطلح مع العرب فقال داود ويحك وتخالف أمر الملك هرقل فيما أمرك به من الحرب وتصطلح أنت والعرب فإن الملك ينسبك إلى الجزع والفزع وما كنت بالذي أخاطب العرب في ذلك أبدا فيبلغ الملك إني كنت السبب في ذلك فيقتلني فقال له وردان: يا ويلك إنما دبرت حيلة على أمير العرب حتى أصل إليه بها فأقتله.

الصفحة 56