كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

توما أمرا عظيما لم يلق أحد مثله وذلك إنه هجم عليه توما في تلك اليلة وكان أول من وصل إلى المسلمين عدو الله توما قال فصبروا له صبر الكرام وقاتل عدو الله قتالا شديدا وهو ينادي أين أميركم الذميم الذي أصابني أنا ركن الملك الرحيم أنا ناصر الصليب قال فلما سمع شرحبيل صوته قصد جهته وقد جرح رجالا من المسلمين وقال ها أنا صاحبك وغريمك أنا مبيد جمعكم وآخذ صليبكم أنا كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطف عليه توما عطفة الاسد ورأى من شرحبيل بن حسنة أمرا هائلا ولم يزالوا كذلك إلى أن زال من الليل شطره وكل قرن مع قرنه وكانت زوجة ابان مع شرحبيل وكانت في تلك الليلةأحسن الناس صبرا ورمت بنبالها وكانت لا تقع نبلة من نبالها إلا في رجل من المشركين إلى أن قتلت من الروم مقتلة عظيمة بالنبال والروم يتحايدون عنها إلى أن لاح رجل من الروم فرمته بنبلة فبقيت معلقة في نحره قال فصرخ بالروم فهاجموها وأخذوها أسيرة ومات عدو الله الذي رمته قال ولقي شرحبيل من الروم مالا يلقاهأحد وانه ضرب توما ضربة هائلة فتلقاها الملعون بدرقته فانكسر سيف شرحبيل فطمع عدو الله فيه وحمل عليه وظن إنه يأخذه اسيرا وإذا بفارسين قد أشرفا من ورائهما مع كبكبة من الفرسان فهجموا على الروم ونظروا وإذا بزوجة ابان قد خلصت وهجمت على الروم وهتفت فلحقها فارسان فبرز لهما عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه فقتلا الرجلين ورجع عدو الله توما هاربا إلى المدينة.
قال حدثني تميم بن عدي وكان ممن شهد الفتوحات قال كنت في خيمة أبي عبيدة وذلك أن أبا عبيدة كان يصلي فيها إذ سمع الصياح فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم لبس سلاحه ورتب قومه ودنا من القوم فنظر إليهم وهم في المعمعة والحرب وعدل عنهم ميسرة وميمنة إلى أن جاوزهم وعطف نحو الباب وكبر وكبر المسلمون فلما سمع المشركون تكبيرهم ظنوا أن المسلمين قد دهموهم من ورائهم في جمع كثير فولوا راجعين فتلقاهم أبو عبيدة وقومه واخذوا عليهم المجاز وبذل أبو عبيدة السيف فيهم.
قال الواقدي: ولقد بلغني إنه ما سلم من الروم تلك الليلةأحد من الذين هم غرماء أبي عبيدة ولقد قتلوا عن آخرهم فبينما هم في القتال إذ أشرف عليهم ضرار بن الأزور وهو ملطخ بالدماء فقال له خالد: ما وراءك يا ضرار فقال أبشر أيها الأمير ما جئتك حتى قتلت في ليلتي هذه مائة وخمسين رجلا وقتل قومي ما لايعد ولا يحصى وقد كفيتكم مؤنة من خرج من الباب الصغير إلى يزيد بن أبي سفيان ثم عطفت إلى سائر الأبواب فقتلت خلقا كثيرا قال فسر بذلك خالد بن الوليد ثم ساروا جميعا حتى أتوا.

الصفحة 70