كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

واجتمع هناك فرسان للمشورة والمناظرة فقالت طائفة من المسلمين: منهم معاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان الرأي أن تمضي إلى ما أمضاه أبو عبيدة بن الجراح وتكفوا عن القتال للقوم فإن مدن الشام لم تفتح ابدا وهرقل في انطاكية كما تعلمون وأن علم أهل المدن صالحتهم وغدرتم لم تفتح لكم مدينة صلحا ولأن تجعلوا هؤلاء الروم في صلحكم خير من قتلهم ثم قالوا: لخالد أمسك عليك ما فتحت بالسيف ويعينك أبو عبيدة بجانبه واكتبا إلى الخليفة وتحاكما إليه فكل ما أمر به فعلناه فقال لهم خالد بن الوليد: قد أجبت إلى ذلك وقبلت مشورتكم فأما أهل دمشق فقد امنتهم إلا هذين اللعينين توما وهربيس وكان هربيس هو المؤمر على نصف البلدة ولاه توما حين رجع الأمر إليه فقال أبو عبيدة: أن هذين أول من دخل في صلحي فلا تخفر ذمتي رحمك الله تعالى فقال خالد: والله لولا ذمامك لقتلتهما جميعا ولكن يخرجان من الأمير أبا سليمان قوله قول وعهده عهد ولا يقول: إلا الصدق قال فانطلق توما إلى المدينة فلعنهما الله حيث سارا.
قال أبو عبيدة: وعلى هذا صالحتهما قال ونظر توما وهربيس إلى خالد وهو يتنازع مع أبي عبيدة فخافا الهلاك فأقبلا على أبي عبيدة ومعهما من يترجم عنهما وقالا له ما يقول: هذا يعني خالدا قال الترجمان لأبي عبيدة ما نقول أنت وصاحبك فيه من المشاورة أن صاحبك هذا يريد غدرنا فنحن واهل المدينة دخلنا في عهدكم ونقض العهد ما هو من شيمكم وإني أسألكم أن تدعوني أن أخرج أنا وأصحابي واسلك أي طريق أردت فقال أنت في ذمتنا فاسلك أي طريق شئت فإذا صرت في أرض تملكونها فقد خرجت من ذمتنا أنت ومن معك فقال توما وهربيس نحن في ذمتكم وجواركم ثلاثة أيام أي طريق سلكنا فاذ كان بعد ثلاثة أيام فلا ذمة لنا عندكم فمن لقينا منكم بعد ثلاثة أيام وظفر بنا فنحن لهم عبيد أن شاء اسرنا وأن شاء قتلنا فقال خالد: قد اجبناك إلى ذلك لكن لا تحملوا معكم من هذا البلد إلا الزاد الذي تتقوتون به قال أبو عبيدة لخالد: هذا كلام داع لنقض العهد والصلح إنما وقع بيننا إنهم يخرجون برجالهم وأموالهم فقال خالد: سمحت لهم بذلك إلا الحلقة يعني السلاح فاني لا أطلق لهم شيئا من ذلك فقال توما لا بد لنا من السلاح نمنع به عن أنفسنا في طريقنا أن طرقنا طارق حتى نصل إلى بلدنا وإلا فنحن بين ايديكم فاحكموا فينا بما أردتم فقال أبو عبيدة: اطلق لكل واحد قطعة من السلاح أن أخذ سيفا فلا يأخذ رمحا وأن أخذ رمحا فلا يأخذ سيفا وأن أخذ قوسا فلا يأخذ سكينا فقال توما لما سمع منهم ذلك الكلام قد رضينا بذلك وما يريد كل واحد منا إلا قطعة من السلاح لا غير ثم قال توما لأبي عبيدة إني خائف من هذا الرجل اعني خالد بن الوليد فليكتب لي بذلك قال أبو عبيدة: ثكلتك امك أنا معاشر العرب لا نغدر ولا نكذب وأن الأمير أبا سليمان قوله قول وعهده عهد ولا يقول: إلا الصدق قال فانطلق توما وهربيس يجمعان قومهما.

الصفحة 74