كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

ويأمرانهم بالخروج قال وكان الملك له خزانة ديباج وهربيس يجمعان قومهما ويأمرانهم بالخروج قال وكان الملك له خزانة ديباج في دمشق فيها زهاء من ثلاثمائة حمل ديباج وحل مذهبة فعزم على اخراجها وامر توما فضربت له خيمة من القز ظاهر دمشق وأقبلت الروم تخرج الأمتعة والأموال والأحمال حتى اخرجوا شيئا عظيما فنظر خالد بن الوليد إلى كثرةأحمالهم فقال: ما اعظم رحالهم ثم قرأ قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف:33] الاية ثم نظر خالد إلى القوم كانهم حمر مستنفرة ولم يلتفتأحد إلى أخيه من شدة عجلتهم فلما نظر خالد إلى ذلك رفع يديه إلى السماء وقال اللهم جعله لنا وملكنا إياه واجعل هذه الأمتعة قوتا للمسلمين آمين إنك سميع الدعاء ثم اقبل على أصحابه وقال لهم: إني رأيت أنا رأيا فهل انتم تتبعوني عليه فقالوا: نتبعك ولا نخالف لك امرا فقال خالد: قوموا بخيولكم حق القيام واحسنوا إليها ما استطعتم وانجزوا سلاحكم فاني اسير بكم بعد ثلاثة أيام في مطلب هؤلاء القوم وارجو من الله أن يغنمنا هذه الغنيمة والأموال التي رأيتموها وأن نفسي تحدثني أن القوم ما تركوا في دمشق متاعا ولا ثوبا حسنا إلا وقد أخذوه معهم.
فقالوا: افعل ما تريد فما نخالف لك أمرا ثم أخذوا في اصلاح شأنهم وتوما وهربيس قد جمعوا مال الرساتيق وجميع المال فلما جمعوه جاءوا به إلى أبي عبيدة فقال لهم: وفيتم بما عليكم فسيروا حيث شئتم فلكم الأمان منا ثلاثة أيام قال يزيد ابن ظريف فلما سلموا المال لأبي عبيدة ارتحلوا سائرين كأنهم سواد مظلم وكان قد خرج مع القوم خلق كثير من أهل دمشق بأولادهم وكرهوا أن يكونوا في جوار المسلمين قال واشتغل خالد عن اتباعهم بخلاف ما وقع بينهم وبين أهل دمشق في حنطة وشعير وجدوا في المدينة منه شيئا كثيرا فقال أبو عبيدة: هو للقوم دخل في صلحهم فكادت القتنة أن تثور بين أصحاب خالد وبين أصحاب أبي عبيدة واتفق رأيهم أن يكتبوا كتابا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ذلك وليس عندهم خبر إنه مات يوم دخولهم دمشق.
قال عطية بن عامر كنت واقفا على باب دمشق في اليوم الذي سارت فيه الروم مع توما وهربيس ومعهم ابنة الملك هرقل قال فنظرت إلى ضرار بن الأزور وهو ينظر إلى القوم شزرا ويتحسر على ما فاته منهم فقلت له: يا ابن الأزور مالي اراك كالمتحسر أما عند الله أكثر من ذلك فقال والله ما أعني مالا وإنما أنا متأسف على بقائهم وانفلاتهم منا ولقد أساء أبو عبيدة فيما فعل بالمسلمين فقلت: يا بان الأزور ما أراد أمين الأمة إلا خيرا للمسلمين أن يحقن دمائهم وازواجهم من تعب القتال فإن حرمة رجل واحد خير مما طلعت عليه الشمس وأن الله سبحانه وتعالى اسكن الرحمة في قلوب المؤمنين وأن الرب يقول في بعض الكتب المنزلة: إن الرب لا يرحم من لا يرحم.

الصفحة 75