كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

أعرف الديار وأسلك طريقا فنلحقهم إن شاء الله تعالى ولكن البسوا زي لخم وجذام وهو العرب المتنصرة وخذوا الزاد وسيروا قال فسار خالد واخذ عساكر الزحف وهم أربعة آلاف فارس فامرهم أن يسيروا ويخففوا حمل الزاد ففعلوا ذلك وخالد ومن معه قد ساروا ويونس الدليل امامهم وهو يتبع آثار القوم وقد أوصى خالد أبا عبيدة على المدينة والمسلمين قال زيد بن طريف وكان يونس دليلنا قال فرأى آثار القوم وإنهم إذا سقط منهم حمل جمل تركوه وسار خالد ومن معه كلما دخلوا بلدا من بلاد الروم يظنون إنهم من العرب المتنصرة من لخم وجذام حتى أشرف بهم الدليل على ساحل البحر ونوى أن يطلب الأثر وإذا بالقوم قد عدوا انطاكية ولم يدخلوها خيفة الملك قال فوقع للدليل عند ذلك حيرة في امره فعدل إلى قرية هناك وسأل بعضا من الناس فاخبروه أن الخبر قد أتصل إلى الملك بأن توما وهربيس قد سلما دمشق للعرب فنقم عليهما ولم يدعهما يأتيان إليه وذلك إنه جمع الجيوش وأرسلها إلى اليرموك فخاف أن يتحدثوا بشجاعة العرب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتضعف قلوبهم فبعث إلى توما ومن معه أن يسيروا إلى القسطنطينية فلما علم يونس أن القوم عدلوا واخذوا في طلب التحيز فكر في ذلك وغاب عن المسلمين قوقف خالد وصلى بالناس وإذا بيونس قد اقبل وقال: أيها الأمير إني والله قد غررت بكم وبلغت الغاية في الطلب قال خالد: وكيف الأمر قال: أيها الأمير تبعثني في آثارهم في هذا المكان رجاء أن الحقهم وأن الملك منعهم من الدخول إلى انطاكية لئلا يرعبوا عسكره وامرهم أن يطلبوا القسطنطينية وقد قطع بينكم وبينهم هذا الجبل العظيم وانتم في جبل هرقل وهو يجمع عسكره ويسير إلى حربكم وإني خائف عليكم أن تركتم هذا الجبل خلف ظهوركم هلكتم وبعد هذا فالأمر إليك وكل ما أمرتني به فعلت قال ضرار بن الأزور فرأيت خالدا وقد انتقع لونه كالخضاب وكان ذلك منه جزعا وما عهدت به ذلك فقلت: يا أمير على ماذا عولت فقال: يا ضرار والله ما فزعت من الموت ولا من القتل وإنما خفت أن يؤتى المسلمون من قبلي وإني رأيت قبل فتح دمشق مناما افزعني وأنا منتظر تاويله وارجو أن يجعل الله لنا خيرا وينصرنا على عدونا فقال ضرار خيرا رأيت وخيرا يكون أن شاء الله تعالى فما الذي رايت قال رايت المسلمين في برية قفرة ونحن سائرون فبينما نحن كذلك وإذا بقطيع من حمر الوحش كثيرة عظيمة اجسامها مهزولة اخفافا وهي لا تكدم برماحنا ونحن نضربها بأسيافنا وهي لا تكترث فيما نزل بها من الأذى ولا تهلع مما ينزل فلم نزل مثل ذلك حتى اجتهدنا واجتهدت خيولنا وإني اقبلت على أصحابي وفرقتهم عليها من أربعة جوانب البرية وحملت عليهم فجفلت من أيدينا إلى مضايق وتلال واودية خصبة فلم نأخذ منها إلا اليسير فبينما نحن نطبخ ونشوي لحومها وإذا هي قد رجعت تطلب الحرب منا فلما نظرت إليها وقد طرحت المضايق والأجام صحت بالمسلمين اركبوا في طلبها بارك الله.

الصفحة 77